كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

بضمبضم الياء مبنيا للمفعول مشددا مرفوعا وقد عرفت وجه الجزم وأما الرفع فوجهه الاستئناف جعل الجملة حالا من فاعل يلق والمعنى يلق أثاما مضاعفا له العذاب ومضاعفته مع قوله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها وقوله سبحانه ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها قيل لانظمام المعصية إلى الكفر ويدل عليه قوله تعالى إلا من تاب وءامن وعمل عملا صالحا فان استثناء المؤمن يدل على اعتبار الكفر في المستثنى منه وأورد عليه أن تكرر لا النافية يفيد نفي كل من تلك الأفعال بمعنى لايوقعون شيئا منها فيكون ومن يفعل ذلك بمعنى ومن يفعل شيئا من ذلك ليتحد مورد الاثبات والنفي فلادلالة على الانضمام والمستثنى من جمع بين ما ذكر من الايمان والتوبة والعمل الصالح فيكون المستثنى منه غير جامع لها فلعل الجواب أن المضاعفة بالنسبة إلى عذاب مادون المذكورات
وتعقب بأن الجواب المذكور لابعد فيه وإن لم يذكر ما دونها إلا أن الايراد ليس بشيء لأن الكلام تعريض للكفرة ومن يفعل شيئا من ذلك منهم فقد ضم معصيته إلى كفره ولو لم يلاحظ ذلك على ما اختاره لزم أن من ارتكب كبيرة يكون مخلدا ولا يخفى فساده عندنا وما ذكر من اتحاد مورد الاثبات والنفي ليس بلازم
ثم إن في الكلام قرينة على أن المستثنى منه من جمع بين أضدادها كما علمت ولذا جمع بين الايمان والعمل الصالح مع أن العمل مشروط بالايمان فذكره للاشارة إلى انتفائه عن المستثنى منه ولذا قدم التوبة عليه ويحتمل أن تقديمها لأنها تخلية وقال بعضهم : ليس المراد بالمضاعفة المذكورة ضم قدرين متساويين من العذاب كل منهما بقدر ما تقتضيه المعصية بل المراد لازم ذلك وهو الشدة فكأنه قيل : ومن يفعل ذلك يعذب عذابا شديدا ويكون ذلك العذاب الشديد جزاء كل من تلك الأفعال ومماثلا له والقرينة على المجاز قوله تعالى ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها ونحوه ويراد من الخلود المكث الطويل الصادق بالخلود الأبدي وغيره ويكون لمن أشرك باعتبار فرده الأول ولمن ارتكب إحدى الكبيرتين الأخيرتين باعتبار فرده الآخر وهو كما ترى ومثله ما قيل من أن المضاعفة لحفظ ما تقتضيه المعصية فان الأمر الشديد إذا دام هان
هذا والظاهر ان الاستثناء متصل على ماهو الأصل فيه وقال أبو حيان : الأولى عندي أن يكون منقطعا أي لكن من تاب الخ لأن المستثنى منه على تقدير الاتصال محكوم عليه بانه يضاعف له العذاب فيصير التقدير إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فلا يضاعف له العذاب ولا يلزم من انتفاء التضعيف لقاء العذاب غير المضعف وفيه إن قوله تعالى الآتي فاولئك الخ احتراس لدفع توهم ثبوت أصل العذاب بافادة أنهم لايلقونه أصلا على أكمل وجه وقيل أيضا في ترجيح الانقطاع : إن الاتصال مع قطع النظر عن إيهامه ثبوت أصل العذاب بل وعن إيهامه الخلود غير مهان يوهم أن مضاعفة العمل الصالح شرط لنفي الخلود مع أنه ليس كذلك
ثم أية ضرورة تدعو إلى أن يرتكب ما فيه إيهام ثم يتشبث بأذيال الاحتراس على أن الظاهر أن يجعل من مبتدأ والجملة المقرونة بالفاء خبره وقرنت بذلك لوقوعها خبرا عن الموصول كما في قولك : الذي يأتيني فله درهم وأنا أميل لما مال اليه أبو حيان لمجموع ما ذكر وذكر الموصوف في قوله سبحانه وعمل عملا

الصفحة 49