كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

والأخفش هل الخبر لنفس لا أو للمبتدأ الذي هو مجموع لا وما بني معها وان كان في نية التنوين وهو معرب جاز أن يكون يومئذ معمولا لبشرى وأن يكون صفة والخبر للمجرمين وجاز أن يكون يومئذ خبرا وللمجرمين صفة وجاز أن يكون يومئذ خبر أو للمجرمين خبر أبعد خبر والخبر إذا كان الاسم ليس مبنيا للانفسها بالاجماع
وقال الزمخشري : يومئذ تكرير ولايجوز ذلك سواء أريد بالتكرير للتوكيد اللفظي أم أريد به البدل لأن يوم منصوب بما تقدم ذكره من أذكر أو من يفقدون وما بعد لا العاملة في الاسم لايعمل فيه ما قبلها وعلى تقديره يكون العامل فيه ما قبلها انتهى ولا يخفى عليك ما في الاحتمالات التي ذكرها وأما ما اعترض به على الزمخشري فتعقب بان الجملة المنفية معمولة لقول مضمر وقع حالا من الملائكة التي هي معمول ليرون ويرون معمول ليوم وما في حيزها من تتمة الظرف الأول من حيث أنه معمولا لبعض ما في حيزه ومثله لايعد محذورا مع أن كون لا لها الصدر مطلقا أو إذا بني معها اسمها ليس بمسلم عند جميع النحاة لأنها لكثرة ودورها خرجت عن الصدارة فتأمل هذا ما وقفنا عليه للمتقدمين في اعراب الآية وما فيه من الجرح والتعديل
وقال بعض العصريين : يجوز تعلق يوم بكبير أو تقييد كبره بذلك اليوم ليس لنفي كبره في نفسه بل لظهور موجبه في ذلك اليوم ونظيره لزيد علم عظيم يوم يباحث الخصوم وتكون جملة لابشرى يومئذ للمجرمين استئنافا لبيان ذلك وهو كما ترى وأياما كان فالمراد بذلك اليوم على ماروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يوم الموت وقال أبو حيان : الظاهر أنه يوم القيامة لقوله تعالى بعد وقدمنا إلى ماع ملوا الخ وفيه نظر
ونفي البشرى كناية عن إثبات ضدها كما أن نفي المحبة في مثل قوله تعالى والله لايجب الكافرين كناية عن البغض والمقت فيدل على ثبوت النذرى لهم على أبلغ وجه والمراد بالمجرمين اولئك الذين لايرجون لقاءه تعالى ووضع المظهر موضع ضميرهم تسجيلا عليهم بالاجرام مع ماهم عليه من الكفر والعناد وإيذانا بعلة الحكم ومن اعتبر المفهوم في مثله ادعى افادة الآية عدم الحكم في غيرهم وقد دل قوله تعالى في حق المؤمنين تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا الخ على حصول البشرى لهم وقيل : المراد بهم ما يعم العصاة والكفار الذين لايرجون لقاءه تعالى ويفيد الكلام سلب البشرى عن الكفار على أتم وجه لدلالته على أن المانع من حصول البشرى هو الاجرام ولا اجرام اعظم من اجرام الذين لايرجون لقاءه عز و جل ويقولون ما يقولون فهم أولى به ويتم استدلال المعتزلة بالآية عليه في نفي العفو والشفاعة للعصاة لأنها لاتفيد النفي في جميع الأوقات فيجوز أن يبشر العصاة بما ذكر في وقت آخر
وتعقب بأن الجملة قبل النفي لكونها أسمية تفيد الاستمرار فبعد دخول النفي أراد نفي استمرار البشرى للمجرمين بمعنى أن البشرى تكون لهم لكن لاتستمر مما لايظن أن أحدا يذهب اليه فيتعين إرادة استمرار النفي كما في قوله تعالى في حق أضدادهم لاخوف عليهم ولا هم يحزنون فحينئذ لايتسنى قوله : إنها لاتفيد النفي في جميع الأوقات فالأولى أن يراد بالمجرمين من سمعت حديثهم ويقولون عطف على لايبشرون أو يمنعون البشرى أو نحوه المقدر قبل يوم
وجوز أن يكون عطفا على ما قبله باعتبار ما يفهم منه كأنه قيل : يشاهدون أهوال القيامة ويقولون وأن

الصفحة 5