كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

تعالى ذي اللطف الواسع الذي يحب التائبين ويصطنع اليهم أو فانه يرجع الى الله تعالى أو إلى ثوابه سبحانه مرجعا حسنا وأيا ماكان فاشرط والجزاء متغايران وهذا لبيان حال من تاب من جميع المعاصي وما تقدم لبيان من تاب من أمهاتها فهو تعميم بعد تخصيص والذي لايشهدون الزور أي لايقيمون الشهادة الكاذبة كما روي عن علي كرم الله تعالى وجهه والباقر رضي الله تعالى عنه فهو من الشهادة الزور منصوب على المصدر أو بنزع الخافض أي شهادة الزور أو بالزور ويفهم من كلام قتادة أن الشهادة هنا بمعنى يعم ماهو المعروف منها أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أنه قال : أي لايساعدون أهل الباطل على باطلهم ولا يؤملونهم فيه
وأخرج جماعة عن مجاهد أن المراد بالزور الغناء وروي نحوه عن محمد بن الحنفية رضي الله تعالى عنه وضم الحسن اليه النياحة وعن قتادة أنه الكذب وعن عكرمة أنه لعب كان في الجاهلية وعن ابن عباس أنه صنم كانوا يلعبون حوله سبعة أيام وفي رواية أخرى عنه أنه عيد المشركين وروي ذلك عن الضحاك وعن هذا أنه الشرك فيشهدون على هذه الأقوال من الشهود بمعنى الحضور و الزور مفعول به بتقدير مضاف أي محال الزور وجوز أن يراد بالزور ما يعم كل شيء باطل مائل عن جهة الحق من الشرك والكذب والغناء والنياحة ونحوها فكأنه قيل : لايشهدون مجالس الباطل لما في ذلك من الاشعار بالرضا به وأيضا من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه وإذا مروا على طريق الاتفاق باللغو بما ينبغي أن يلغي ويطرح مما لا خير فيه مروا كراما
27
- أي مكرمين أنفسهم عن الوقوف عليه والخوض فيه معرضين عنه
وفسر الحسن اللغو كما أخرج عنه ابن أبي حاتم بالمعاصي وأخرج هو وابن عساكر عن ابراهيم بن ميسرة قال : بلغني أن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه مر بلهو معرضا ولم يقف فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لقد أصبح ابن مسعود وأمسى كريما ثم تلا إبراهيم وإذا مروا باللغو مروا كراما
وقيل : المراد باللغو الكلام الباطل المؤذي لهم أو ما يعمه والفعل المؤذي وبالكرم العفو والصفح عمن آذاهم واليه يشير ما أخرجه جماعة عن مجاهد أنه قال في الآية : إذا أوذوا صفحوا وجعل الكلام على هذا بتقدير مضاف أي إذا مروا بأهل اللغو أعرضوا عنهم كما قيل : ولقد أمر على اللئيم يسبني فمضيت ثمت قلت لايعنيني ولايخفى أنه ليس بلازم وقيل : اللغو القول المستهجن والمراد بمرورهم عليه إتيانهم على ذكره وبكرمهم الكف عنه والعدول إلى الكناية واليه يوميء ما أخرجه جماعة عن مجاهد أيضا أنه قال : فيها كانوا إذا أتوا على ذكر النكاح كنو عنه وعمم بعضهم وجعل ما ذكر من باب التمثيل وجوز أن يراد باللغو الزور بالمعنى العام أعني الأمر الباطل عبر عنه تارة بالزور لميله عن جهة الحق وتارة باللغو لأنه من شأنه أن يلغى ويطرح ففي الكلام وضع المظهر موضع المضمر والمعنى والذين لايحضرون الباطل ؤإذا مروا به على طريق الاتفاق أعرضوا عنه والذين إذا ذكروا بآيات ربهم القرآنية المنطوية على المواعظ والأحكام

الصفحة 51