كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

لم يخروا عليها صما وعميانا
37
- أي أكبوا عليها سامعين بآذان واعية مبصرين بعيون راعية فالنفي متوجه الى القيد على ما هو الأكثر في لسان العرب وفي التعبير بما ذكر دون أكبوا عليها سامعين مبصرين ونحو تعريض لما عليه الكفرة والنافقون إذا ذكروا بآيات ربهم والخرور السقوط على غير نظام وترتيب وفي التعبير به مبالغة في تأثير التذكير بهم وقيل : ضمير عليها للمعاصي المدلول عليها باللغو والمعنى إذا ذكروا بآيات ربهم المتضمنة للنهي عن المعاصي والتخويف لمرتكبها لم يفعلوها ولم يكونوا كمن لايسمع ولا يبصر وهو كما ترى
والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين بتوفيقهم للطاعة كما روي عن ابن عباس والحسن وعكرمة ومجاهد فان المؤمن الصادق إدا رأى أهله قد شاركوه في الطاعة قرت به عينه وسر قلبه وتوقع نفعهم له في الدنيا حيا وميتا ولحوقهم به في الأخرى وذكر أنه كان في أول الاسلام يهتدي الأب والأبن كافر والزوج والزوجة كافرة فلا يطيب عيش ذلك المهتدي فكان يدعو بما ذكر وعن ابن عباس قرة عين الوالد بولده أن يراه يكتب الفقه ومن ابتدائية متعلقة بهب أي هب لنا من جهتهم
وجوز أن يكون بيانية كأنه قيل : هب لنا قرة أعين ثم بينت القرة وفسرت بقوله سبحانه : من أزواجنا وذرياتنا وهذا مبني على مجيء من للبيان وجواز تقدم المبين على المبين وقرة العين كناية عن السرور والفرح وهو مأخوذ من القر وهو البرد لأن دمعة السرور باردة ولذا يقال في ضده : أسخن الله تعالى عينه وعليه قول أبي تمام : فأما عيون العاشقين فاسخنت وأما عيون الشامتين فقرت وقيل : هو مأخوذ من القرار لأن ما يسر يقر النظر به ولا ينظر إلى غيره وقيل : في الضد أسخن الله تعالى عينه على معنى جعله خائفا مترقبا ما يحزنه ينظر يمينا وشمالا واماما ووراء لايدري من أين يأتيه ذلك بحيث تسخن عينه لمزيد الحركة التي تورث السخونة وفي تكلف وقيل : أعين بالتنكير مع أن المراد بها أعين القائلين وهي معينة لقصد تنكير المضاف للتعظيم وهو لايكون بدون تنكير المضاف اليه وجمع القلة على ما قال الزمخشري لأن أعين المتقين قليلة بالاضافة إلى عيون غيرهم
وتعقبه أبو حيان وابن المنير بأن المتقين وإن كانوا قليلا بالاضافة إلى غيرهم إلا أنهم في أنفسهم على كثرة من العدد والمعتبر في إطلاق جمع القلة أن يكون المجموع قليلا في نفسه لا بالاضافة إلى غيره وأحيب بأن المراد أنه استعمل الجمع المذكور في معنى القلة مجردا عن العدد بقرينة كثرة القائلين وعيونهم واستظهر ابن المنير أن ذلك لأن المحكي كلام كل واحد من المتقين فكأنه قيل : يقول كل واحد منهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين فتدبر وتأمل في وجه اختيار هذا الجمع في غير هذا الموضع مما لايتأتى في ما ذكروه ههنا
وأنا أظن أنه اختير الأعين جمعا للعين الباصرة والعيون جمعا للعين الجارية في جميع القرآن الكريم ويخطر لي في وجه ذلك شيء لا أظنه وجيها ولعلك تفوز بما يغنيك عن ذكره والله تعالى ولي التوفيق وقرأ طلحة وأبو عمرو وأهل الكوفة غير حفص وذريتنا على الافراد
وقرأ عبد الله وأبو الدرداء وابو هريرة قرات على الجمع واجعلنا للمتقين إماما
47
- أي اجعلنا

الصفحة 52