كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

بحيث يقتدون بنا في اقامة مراسم الدين بافاضة العلم والتوفيق للعمل واما يستعمل مفردا وجمعا كهجان والمراد به هنا الجمع ليطابق المفعول الأول لجعل واختير على أئمة لأنه أوفق بالفواصل السابقة واللاحقة وقيل هو مفرد وأفرد مع لزوم المطابقةلأنه اسم جنس فيججوز اطلاقه على معنى الجمع مجازا بتجريده من قيد الوحدة أو لأنه في الأصل مصدر وهو لكونه موضوعا للماهية شامل للقليل والكثير وضعا فاذا نقل لغيره قد يراعي أصله ولأن المراد واجعل كل واحد منا أو لأنهم كنفس واحدة لاتحاد طريقتهم واتفاق كلمتهم
وفي ارشاد العقل السليم بعد نقل ما ذكر أن مدار التوجيه على أن هذا الدعاء صدر عن الكل على طريق المعية وهو غير واقع أو عن كل واحد وهو غير ثابت فاظاهر أنه مصدر عن كل واحد قول واجعلني للمتقين إماما فعبر عنهم للايجاز بصيغة الجمع وأبقي إماما على حاله
وتعقب بأن فيه تكلفا وتعسفا مع مخالفته للعربية وأنه ليس مداره على ذلك بل أنهم شركوا في الحكاية في لفظ واحد لاتحاد ما صدر عنهم مع أنه يجوز اختيار الثاني لأن التشريك في الدعاء أدعى للاجابة فاعرف ولا تغفل
وروي عن مجاهد أن إماما جمع آم بمعنى قاصد كصيام جمع صائم والمعنى اجعلنا قاصدين للمتقين مقتدين بهم وماذكر أولا أقرب كما لايخفى وليس في ذلك كما قال النخعي : طلب للرياسة بل مجرد كونهم قدوة في الدين وعلماء عاملين وقيل : في الآية ما يدل على أن الرياسة في الدين مما ينبغي أن يطلب وإعادة الموصول في المواقع السبعة مع كفاية ذكر الصلاة بطريق العطف على صلة الموصول الأول للايذان بأن كل واحد مما ذكر في حيز صلة الموصولات المذكورة وصف جليل على حياله له شأن خطير حقيق بأن يفرد له موصوف مستقل ولا يجعل شيء من ذلك تتمة لغيره وتوسيط العاطف بين الموصولات لتنزيل الاختلاف العنواني منزلة الاختلاف الذاتي كما عرفته فيما سبق غير مرة اولئك إشارة إلى المتصفين بما فصل في حيز الصلات من حيث اتصافهم به وفيه دلالة على أنهم متميزين منتظمون بسببه في سلك الأمور المشاهدة وما فيه من معنى البعد للايذان ببعد منزلتهم في الفضل وهو مبتدأ خبره جملة قوله تعالى : يجزون الغرفة والجملة على الأقرب استئناف لامحل لها من الاعراب مبينة لما لهم في الآخرة من السعادة الأبدية إثر بيان مالهم في الدنيا من الأعمال السنية و الغرفة الدرجة العالية من المنازل وكل بناء مرتفع عال وقد فسرت هنا على ماروي عن ابن عباس ببيوت من زبرجد ودر وياقوت
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال فيها بيوت من ياقوتة حمراء أو زبرجدة خضراء أو درة بيضاء ليس فيها فصم ولا وصم وقيل أعلى منازل الجنة ولا يأباه الخبر الجواز أن تكون الغرف الموصوفة فيه هناك وروي عن الضحاك أنها الجنة وقيل : السماء السابعة وعلى تفسيرها بجمع ويويده قوله تعالى : وهم في الغرفات آمنون وقريء فيه في الغرفة يكون المراد بها الجنس وهو يطلق على الجمع كما سمعت آنفا وإيثار الجمع هنالك على ما قال الطيبي لأنها رتبت على الايمان والعمل الصالح ولا خفاء في تفاوت الناس فيهما وعلى ذلك تتفاوت الأجزية وههنا رتب على مجموع الأوصاف الكاملة فلذا جيء بالواحد دلالة على أن الغرف لاتتفاوت بما صبروا أي بسبب صبرهم على أن الباء للسببية وما مصدرية وقيل : هي للبدل كما في قوله :

الصفحة 53