كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

قال تعالى ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وقيل : المعنى ما يعبأ بعذابكم لولا دعاؤكم إياه تعالى وتضرعكم اليه في الشدائد كما قال تعالى وإذا ركبوا في الفلك دعوا الله وقال سبحانه فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون وقيل : المعنى ما خلقكم سبحانه وله اليكم حاجة إلا أن تسألوه ليعطيكم وتستغفروه فيغفر لكم وروي هذا عن الوليد بن الوليد رضي الله تعالى عنه
وأنت تعلم أن ما آثره الزمخشري لاينافي كون الخطاب لقريش من حيث المعنى فقد خصص بهم في قوله تعالى فقد كذبتم فسوف يكون لزاما
77
- أي جزاء التكذيب أو أثره لازما يحيق بكم حتى يكبكم في النار كما يعرب عنه الفاء الدالة على لزوم ما بعدها لما قبلها فضمير يكون لمصدر الفعل المتقدم بتقدير مضاف أو على التجوز وإنما لم يصرح بذلك للايذان بغاية ظهوره وتهويل أمره وللتنبيه على أنه مما لايكتنهه البيان
وقيل الضمير للعذاب وقد صرح به من قرأ يكون العذاب لزاما وصح عن ابن مسعود أن اللزام قتل يوم بدر وروي عن أبي ومجاهد وقتادة وأبي مالك ولعل اطلاقه على ذلك لأنه لزوم فيه بين القتلى لزاما
وقرأ ابن جريج تكون بتاء التأنيث على معنى تكون العاقبة وقرأ المنهال وابان بن ثعلب وأبو السمال لزاما بفتح اللام مصدر لزم يقال : لزم لزوما ولزاما كثبت ثبوتا وثباتا ونقل ابن خالويه عن أبي السمال أنه قرأ لزام على وزن حذام جعله مصدرا معدولا عن اللزمة كفجار المعدول عن الفجرة والله تعالى أعلم هذا
ومن باب الاشارة قيل في قوله تعالى وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الاسواق إشارة قصور حال المنكرين على أولياء الله تعالى حيث شاركوهم في لوازم البشرية من الأكل والشرب ونحوهما وقالوا في قوله تعالى : وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ان وجد فتنته النظر اليه نفسه والغفلة فيه عن ربه سبحانه ويشعر هذا بأن كل ما سوى الله تعالى فتنة من هذه الحيثية
وقال ابن عطاء في قوله تعالى وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا اطلعناهم على أعمالهم فطالعوها بعين الرضا فسقطوا من أعيننا بذلك وجعلنا أعمالهم هباء منثورا وهذه الآية وان كانت في وصف الكفار لكن في الحديث أن في المؤمنين من يجعل عمله هباء كما تضمنته فقد أخرج أبو نعيم في الحلية والخطيب في المتفق والمفترق عن سالم مولى أبي حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليجاءن يوم القيامة بقوم معهم حسنات مثل جبال تهامة حتى إذا جيء بهم جعل الله تعالى أعمالهم هباء ثم قذفهم في النار قال سالم : بأبي وأمي يا رسول الله حل لنا هؤلاء القوم قال : كانوا يصومون ويصلون ويأخذؤن هنئة من الليل ولكن كانوا إذا عرض عليهم شيء من الحرام وثبوا عليه فادحض الله تعالى أعمالهم وذكر في قوله تعالى ويوم يعض الظالم الآية أن حكمه عام في كل متحابين على معصية الله تعالى
وعن مالك بن دينار نقل الاحجار مع الابرار خير من أكل الخبيص مع الفجار وفي قوله تعالى : وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين أنه يلزم من هذا مع قولهم كل ولي على قدم نبي أن يكون لكل ولي عدو يتظاهر بعداوته وفيه إشارة إلى سوء حال من يفعل ذلك مع أولياء الله تعالى ولذا قيل : إن عداوتهم علامة سوء الخاتمة والعياذ بالله تعالى وفي قوله تعالى الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم إشارة إلى أنهم كانوا متوجهين إلى جهة الطبيعة ولذا حشروا منكوسين وفي قوله تعالى أرأيت من أتخذ إلهه هواه أفأنت تكون

الصفحة 55