كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

صلى الله تعالى عليه وسلم عن الحرص على اسلامهم ومن الاولى مزيدة لتأكيد العموم وجوز أن تكون تبعيضية والجار والمجرور متعلق بمحذوف وهو صفة المقدر كما نشير اليه إن شاء الله تعالى والثانية لابتداء الغاية مجازا متعلقة بيأتيهم أو بمحذوف هو صفة لذكر وأيا ما كان ففيه دلالة على فضله وشرفه وشناعة ما فعلوا به
والتعرض لعنوان الرحمة لتغليظ شناعتهم وتهويل جنايتهم فان الاعراض عما يأتيهم من جنابه جل وعلا على الاطلاق شنيع قبيح وعما يأتيهم بموجب رحمته تعالى لمحض منفعتهم أشنع وأقبح أي ما يأتيهم تذكير وموعظة أو طائفة من القرآن من قبله عز و جل بمقتضى رحمته الواسعة يجدد تنزيله حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة إلا جددوا اعراضا عنه واستمروا على ما كانوا عليه والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال محله النصب على الحالية من مفعول يأتيهم باضمار قد أو بدونه على الخلاف المشهور أي ما يأتيهم من ذكر في حال من الأحوال إلا حال كونهم معرضين عنه فقد كذبوا أي بالذكر الذي يأتيهم تكذيبا صريحا مقارنا للاستهزاء به ولم يكتفوا بالاعراض عنه حيث جعلوه تارة سحرا وتارة أساطير الأولين وأخرى شعرا
وقال بعض الفضلاء : أي فقدتموا على التكذيب وكان تكذيبهم مع ورود ما يوجب الاقلاع من تكرير اتيان الذكر كتذيبهم أول مرة وللتنبيه على ذلك عبر عنه بما يعبر عن الحارث ويشعر باعتبار مقارنة الاستهزاء حسبما أشير اليه قوله تعالى فسياتيهم أنبؤا ما كانوا به يستهزؤن
6
- لاقتضائه تقدم الاستهزاء وقيل : إن ذاك لدلالة الاعراض والتكذيب على الاستهزاء والمراد بانباء ذلك ما سيحيق بهم من العقوبات العاجلة والآجلة وكل آت قريب وقيل : من عذاب يوم بدر أو يوم القيامة والأول أولى وعبر عن ذلك بالانباء لكونه مما أنبأ به القرءان العظيم أو لأنهم بمشاهدته يقفون على حقيقة حال القرءان كما يقفون على الاحوال الخافية عنهم باستماع الانباء وفيه تهويل له لأن النبا يطلق على الخبر الخطير الذي له وقع عظيم أي فسيأتيهم لامحالة مصداق ما كانوا يستهزؤن به قبل من غير أن يتدبروا في أحواله ويقفوا عليها
وقوله تعالى أولم يروا إلى الأرض بيان لاعراضهم عن الآيات التكوينية بعد بيان اعراضهم عن الآيات التنزيلية والهمزة للانكار التوبيخي والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أأصروا على ماهم عليه من الكفر بالله تعالى وتكذيب ما يدعوهم إلى الايمان به عز و جل ولم ينظروا الى عجائب الأرض الزاجرة لهم عن ذلك والداعية إلى الايمان به تعالى وقال أبو السعود بعد جعل الهمزة للانكار والعطف على مقدر يقتضيه المقام : أي افعلوا ما فعلوا من الاعراض عن الآيات والتكذيب والاستهزاء بها ولم ينظروا إلى عجائب الأرض الزاجرة عما فعلوا والداعية إلى الاقبال على ما عرضوا عنه انتهى
وهو ظاهر في أن الآية مرتبطة بما قبلها من قوله تعالى وما يأتيهم الخ وهو قريب بحسب اللفظ إلا أن فيه أن النظر إلى عجائب الأرض لايظهر كونه زاجرا عن التكذيب بكون القرءان منزلا من الله عز و جل وداعيا إلى الاقبال اليه وقال ابن كمال : التقدير ألم يتأملوا في عجئب قدرته تعالى ولم ينظروا انتهى
والظاهر أن الآية عليه ابتداء كلام فافهم وقيل : هو بيان لتكذيبهم بالمعاد إثر بيان تكذيبهم بالمبدأ وكفرهم به عز و جل والعطف على مقدر أيضا والتقدير كذبوا بالبعث ولم ينظروا إلى عجائب الأرض الزاجرة عن التكذيب بذلك والاول أولى واظهر وايا ما كان فالكلام على حذف مضاف كما أشير اليه وجوز أن

الصفحة 61