كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

يراد من الأرض عجائبها مجازا وقوله تعالى كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم
7
- استئناف مبين لما في الارض من الآيات الزاجرة عن الكفر الداعية إلى الايمان
وكم خبرية في موضع نصب على المفعولية بما بعدها وهي مفيدة للكثرة وجيء بكل معها لافادة الاحاطة والشمول فيفيد أن كثرة أفراد كل صنف صنف فيكون المعنى انبتنا فيها شيئا كثيرا من كل صنف على أن من تبعيضية أو كثرة الاصناف فيكون المعنى انبتنا فيها شيئا كثيرا هو كل صنف على أن من بيانية وأياما كان فلا تكرار بينهما وقد يقال : المعنى أو لم ينظروا إلى نفس الارض التي هي طبيعة واحدة كيف جعلناها منبتا لنباتات كثيرة مختلفة الطبائع وحينئذ ليس هناك حذف مضاف ولا مجاز ويكون قوله تعالى كم أنبتنا فيها الخ بدل اشتمال بحسب المعنى وهو وجه حسن فافهمه لئلا تظن رجوعه إلى ماتقدم واحتياجه إلى ما احتاج اليه من الحذف أو التجوز والزوج الصنف كما أشرنا اليه وذكر الراغب أن كل ما في العالم زوج من حيث أن له ضدا ما أو مثلا ما أو تركيبا ما بل لاينفك بوجه من تركيب والكريم من كل شيء مرضيه ومحموده ومنه قوله :
حتى يشق الصفوف من كرمه
فانه أراد من كونه مرضيا في شجاعته وهو صفة لزوج أي من كل زوج كثير المنافع وهي تحتمل التخصيص والتوضيح ووجه الأول دلالته على ما يدل عليه غيره في شأن الواجب تعالى وزيادة حيث يدل على النعمة الزاجرة لهم عما هم عليه أيضا ووجه الثاني التنبيه على أنه تعالى ما أنبت شيئا إلا وفيه فائدة كما يؤذن به قوله تعالى : هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا وأياماكان فالظاهر عدم دخول الحيوان في عموم المنبت وذهب بعض إلى دخوله بناء على أن خلقه من الارض إنبات له كما يشير اليه قوله تعالى : والله أنبتكم من الارض نباتا وعن الشعبي التصريح بدخول الانسان فيه فقد روي عنه أنه قال الناس من نبات الأرض فمن صار إلى الجنة فهو كريم ومن صار الى النار فبضد ذلك
إن في ذلك أي الانبات أو المنبت لآية عظيمة دالة على ما يجب عليهم بالايمان به من شؤونه عز و جل وما الظف ما قيل في صف النرجس : تأمل في رياض الورد وأنظر إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين شاخصات على أهدابها ذهب سبيك على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك وما كان أكثرهم مؤمنين
8
- قيل : أي وما كان في علم الله تعالى ذلك واعترض بناء على أنه يفهم من السياق العلية بأن علمه تعالى ليس علة لعدم إيمانهم لأن العلم تابع للمعلوم لا بالعكس ورد بأن معنى كون علمه تعالى تابعا للمعلوم أن علمه سبحانه في الأزل بمعلوم معين حادث تابع لماهيته بمعنى أن خصوصية العلم وامتيازه عن سائر العلوم إنما هو باعتبار أنه علم بهذه الماهية وأما وجود الماهية فيما لايزال فتابع لعلمه تعالى الأزلي التابع لماهيته بمعنى أنه تعالى لما علمها في الأزل على هذه الخصوصية لزم أن تتحقق وتوجد فيما لايزال كذلك فنفس موتهم على الكفر وعدم إيمانهم متبوع لعلمه الأزلي ووقعه تابع له ونقل عن سيبويه إن كان صلة والمعنى وما أكثرهم مؤمنين فالمراد الأخبار عن حالهم في الواقع لافي علم الله تعالى الأزلي وارتضاه شيخ الاسلام وقال هو الأنسب بمقام بيان عتوهم وغلوهم في المكابرة والعناد مع تعاقد موجبات

الصفحة 62