كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

الايمان من جهته عز و جل وأما نسبة كفرهم إلى علمه تعالى فربما يتوهم منها كونهم معذورين فيه بحسب الظاهر ويحتاج حينئذ الى تحقيق عدم العذر بما يخفى على العلماء المتقنين والمعنى على الزيادة وما أكثرهم مؤمنين مع عظم الآية الموجبة للايمان لغاية تماديهم في الكفر والضلالة وانهماكهم في الغي والجهالة ويجوز على قياس ما مر عن بعض الاجلة في قوله تعالى : أن لايكونوا مؤمنين أن يقال : إن كان للاستمرار واعتبر بعد النفي فالمراد استمرار نفي إيمان أكثرهم مع عظم الآية الموجبة لايمانهم وفيه من تقبيح حالهم ما فيه
وهذا المعنى وان تأتي على تقدير اسقاط كان بأن يعتبر الاستمرار الذي تفيده الجملة الأسمية بعد النفي أيضا الا أنه فرق بين الاستمرارين بعد الاعتبار كان قوة وضعفا فتدبر ونسبة عدم الايمان الى أكثرهم لأن منهم من لم يكن كذلك وإن ربك لهو العزيز أي الغالب على كل ما يريده من الأمور التي من جملتها الانتقام من هؤلاء الكفرة الرحيم
9
- أي البالغ في الرحمة ولذلك يمهلهم ولا يؤاخذهم بغتة بما اجترؤا عليه من العظائم الموجبة لفنون العقوبات أو العزيز في انتقامه ممن كفر الرحيم لمن تاب وءامن أو العزيز في انتقامه من الكفرة الرحيم لك بان يقدر من يؤمن بك ان لم يؤمن هؤلاء والتعرض لوصف الربوبية مع الاضافة إلى ضميره صلى الله عليه و سلم من تشريفه عليه الصلاة و السلام والعدة الخفية له صلى الله تعالى عليه وسلم مالايخفى وتقديم العزيز لأن ما قبله أظهر في بيان القدرة أو لأنه أدل على دفع المضار الذي هو أهم من جلب المصالح
وإذ نادى ربك موسى كلام مستأنف مقرر لسوء حالهم ومسل له صلى الله عليه و سلم أيضا لكن بنوع آخر من أنواع التسلية على ما قيل : وإذ منصوب على المفعولية خوطب به النبي صلى الله عليه و سلم معطوف على ما قبله عطف القصة على القصة والتقدير عند بعض واذكر في نفسك وقت ندائه تعالى أخاك موسى عليه السلام وما جرى له مع قومه من التكذيب مع ظهور الآيات وسطوع المعجزات لتعلم أن تكذيب الأمم لأنبيائهم ليس بأول قارورة كسرت ولا بأول صحيفة نشرت فيهون عليك الحال وتستريح نفسك مما أنت في من البلبال
وعند شيخ الاسلام واذكر لقومك وقت ندائه تعالى موسى عليه السلام وذكرهم بما جرى على قوم فرعون بسبب تكذيبهم إياه عليه السلام زاجرا لهم عما هم عليه من التكذيب وتحذيرا من أن يحيق بهم مثل ما حاق بهم حتى يتضح لديك أنهم في غاية العناد والاصرار لايردعهم أخذ أضرابهم من المكذبين الأشرار ولا يؤثر فيهم الوعظ والانذار وهذا التقدير يناسب صدر القصة الآتية أعني قوله تعالى : وأتل عليهم نبأ ابراهيم والأول يناسب القصص المصدرة بكذبت على ما قيل
والأظهر عندي تقدير وأذكر لقومك لوضوح اقتضاء وأتل عليه له ولا نسلم اقتضاء تلك القصص المصدرة بكذبت تقدير اذكر في نفسك وأمر المناسبة مشترك وإن سلم اختصاصها به فهي لاتقاوم الاقتضاء المذكور نعم الأظهر أن يكون وجه التسلي بما ذكر كونه عليه الصلاة و السلام ليس بدعا من الرسل ولا قومه بدعا من الأقوام في التكذيب مع ظهور الآيات وسطوع المعجزات وقد تضمن الأمر بذكر ذلك لهم الأمر بالتسلي به على أتم وجه فتدبر وأيا ما كان فوجه توجيه الأمر بالذكر إلى الوقت مع أن المقصود ذكر ما فيه قد مر مرارا وقيل : إن ذلك المقدر معطوف على مقدر ءاخر أي خذ الآيات أو ترقب اتيان الأنباء واذكر وهو تكلف لاحاجة اليه وقيل : إذ ظرف لقال بعد وليس بذاك ومعنى نادى دعا وقيل :

الصفحة 63