كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

رب اني أخاف أن يكذبون
21
- من أول الأمر ويضيق صدري ولا ينطلق لساني معطوفان على خبر أن فيه عليه السلام ثلاث علل خوف التكذيب وضيق الصدر وامتناع انطلاق اللسان والظأهر ثبوت الأمرين الاخيرين في أنفسهما غير متفرعين على التكذيب ليدخلا تحت الخوف لكن قرأ الأعرج وطلحة وعيسى وزيد بن علي وأبو حيوة وزائدة عن الأعمش ويعقوب بنصب الفعلين عطفا على يكذبون فيفيد دخولهما تحت الخوف ولان الأصل توافق القراءتين قيل انهما متفرعان على ذلك كأنه قيل : رب اني أخاف تكذيبهم اياي ويضيق صدري انفعالا منه ولا ينطلق لساني من سجن اللكنة وقيد العي بانقباض الروح الحيواني الذي تتحرك به العضلات الحاصل عند ضيق الصدر واغتمام القلب والمراد حدوث تلجلج اللسان له عليه السلام بسبب ذلك كما يشاهد في كثير من الفصحاء إذا اشتد غمهم وضاقت صدورهم فان السنتهم تتلجلج حتى لا تكاد تبين مقصود هذا إن قلنا : إن هذا الكلام كان بعد دعائه عليه السلام بحل العقدة واستجابة الله تعالى له بازالتها بالكلية أو المراد ازدياد ما كان فيه عليه السلام إن قلنا : إنه كان قبل الدعاء أو بعده لكن لم تزل العقدة باكلية وإنما انحل منها ما كان يمنع من أن يفقه قوله عليه السلام فصار يفقه قوله مع بقاء يسير لكنة وقال بعضهم : لاحاجة إلى حديث التفرع بل هما داخلان تحت الخوف بالعطف على يكذبون كما في قراءة النصب وذلك بناء على كا جوزه البقاعي من كون أخاف بمعنى أعلم أو أظن فتكون أن مخففة من الثقيلة لوقوعها بعد ما يفيد علما أو ظنا ويلتزم على هذا كون أخاف في قراءة النصب على ظاهره لئلا تأبى ذلك ويدعي اتحاد المآل وحكى أبو عمرو الداني عن الأعرج أنه قرأ بنصب يضيق ورفع ينطلق والكلام في ذلك يعلم مما ذكر وأيا ما كان فالمراد من ضيق الصدر ضيق القلب وعبر عنه بما ذكر مبالغة ويراد من الغم ثم هذا الكلام منه عليه السلام ليس تشبثا بأذيال العلل واستعفاء عن امتثال أمره عز و جل وتلقيه بالمسع والطاعة بل هو تمهيد عذر في استدعاء عون له على الامتثال واقامة الدعوة على أتم وجه فان ما ذ : ره ربما يوجب اختلال الدعوة وانتباذ الحجة وقد تضمن هذا الاستدعاء قوله تعالى فأرسل إلي هرون
31
- كأنه قال أرسل جبريل عليه السلام إلى هرون واجعله نبيا وآزرني به واشدد به عضدي لان في الارسال اليه عليه السلام حصول هذه الأغراض كلها لكن بسط في سورة القصص واكتفى ههنا بالاصل عما في ضمنه
ومن الدليل على أن المعنى على ذلك لا أنه تعلل وقوع فارسل معترضا بين الاوائل والرابعة أعني ولهم الخ فاذن بتعلقه بها ولو كان تعللا لآخر وليس أمره بالاتيان مستلزما لما استدعاه عليه السلام وتقدير مفعول أرسل ما أشرنا اليه قد ذهب اليه غير واحد وبعضهم قدر ملكا إذ لا جزم في أنه عليه السلام كان يعلم إد ذاك أن جبريل عليه السلام رسول الله عز و جل الي من يستنبئه سبحانه من البشر وفي الخبر أن الله تعالى أرسل موسى إلى هرون وكان هرون بمصر حين بعث الله تعالى موسى نبيا بالشام وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : أقبل موسى عليه السلام إلى أهله فسار بهم نحو مصر حتى أتاها ليلا فتضيف على أمه وهو لا يعرفهم في ليلة كانوا يأكلون الطفيشل فنزلت في جانب الدار فجاء هرون عليه السلام فلما أبصر ضيفه سأل عنه أمه فاخبرته

الصفحة 65