كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

أنه ضيف فدعاه فاكل معه فلما قعدا تحدثا فسأله هرون من أنت قال : أنا موسى فقام كل واحد منهما إلى صاحبه فاعتنقه فلما تعارفا قال له موسى ياهرون انطلق معي إلى فرعون فان الله تعالى قد أرسلنا اليه قال هرون : سمعا وطاعة فقامت أمهم فصاحت وقالت : أنشدكما بالله تعالى أن لاتذهبا إلى فرعون فيقتلكما فأبيا فانطلقا اليه ليلا الخبر والله تعالى أعلم بصحته ولهم علي ذنب أي تبعة ذنب فحذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه أو سمي باسمه مجازا بعلاقة السببية والمراد به قتل القبطي خباز فرعون بالوكزة التي وكزها وقصته مبسوطة في غير موضع وتسميته ذنبا بحسب زعمهم بما ينبيء عنه قوله تعالى لهم فأخاف إن آتيتهم وحدي أن يقتلون
41
- بسبب ذلك ومراده عليه السلام بهذا استدفاع البلية خوف فوات مصلحة الرسالة وانتشار أمرها كما هو اللائق بمقام أولي العزم من الرسل عليهم السلام فانهم يتوقون لذلك كما كان يفعل صلى الله عليه و سلم حتى نزل عليه والله يعصمك من الناس ولعل الحق أن قصد حفظ النفس معه لاينافي مقامهم
وفي الكشاف أنه عليه السلام فرق أن يقتل قبل أداء الرسالة وظاهره أنه وان كان نبيا غير عالم بأنه يبقى حتى يؤدي الرسالة واليه ذهب بعضهم لاحتمال أنه إنما أمر بذلك بشرط التمكين مع أن له تعالى نسخ ذلك قبله وقال الطيبي : الأقرب أن الأنبياء عليهم السلام يعلمون إذا حملهم الله تعالى على أداء الرسالة أنه سبحانه يمكنهم وأنهم سيبقون إلى ذلك الوقت وفيه منع ظاهر وفي الكشف أنه على القولين يصح قول الزمخشري فرق الخ لأن ذلك كان قبل الاستنباء فان النداء كان مقدمته ولا أظنك تقول به وقوله تعالى : قال كلا فاذهبا بآياتنا إجابة له عليه السلام إلى الطلبتين حيث وعده عز و جل دفع بلية الأعداء بردعه عن الخوف وضم اليه أخاه بقوله : اذهبا فكأنه قال له عز و جل : ارتدع عن خوف القتل فانك باعيننا فاذهب أنت وأخوك هرون الذي طلبته وجاء النشر على عكس اللف لاختصاص ما قدم بموسى عليه السلام وظاهر السياق يقتضي عدم حضور هرون ففي الخطاب المذكور تغليب والفعل معطوف على الفعل الذي يدل عليه كلا كما أشرنا اليه وقيل : الفاء فصيحة والمراد بالآيات ما بعثهما الله تعالى به من المعجزات وفيها رمز إلى أنها تدفع ما يخافه وقوله عز و جل : إنا معكم مستمعون
51
- تعليل للردع عن الخوف ومزيد تسلية لهما بضمان كمال الحفظ والنصرة كقوله تعالى : إنني معكما أسمع وأرى والخطاب لموسى وهرون ومن يتبعهما من بني اسرائيل فيتضمن الكلام البشارة بالاشارة إلى علو أمرهما وابتاع القوم لهما وذهب سيبويه إلى أنه لهما عليهما السلام ولشرفهما وعظمتهما عند الله تعالى عوملا في الخطاب معاملة الجمع واعترض بأنه ياباه ما بعده وما قبله من ضمير التثنية وقيل : هو لهما عليهما السلام ولفرعون واعتبر لكون الموعود بمحضر منه وإن شئت ضم إلى ذلك قوم فرعون أيضا واعترض بأن المعية العامة أعني المعية العلمية لاتختص بأحد لقوله تعالى : ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم والمعية الخاصة وهي معية الرأفة والنصرة لاتليق بالكافر ولو بطريق التغليب وأجيب بأن خصوص المعية لايلزم أن يكون بما ذكر بل بوجه آخر وهو تخليص أحد المتخاصمين من الآخر بنصرة المحق والانتقام من المبطل وأياماكان فالظرف في موضع الخبر لأن و مستمعون خبر ثان أو الخبر مستمعون والظرف متعلق به أو متعلق بمحذوف وقع حالا من ضميره وتقديمه للاهتمام أو

الصفحة 66