كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

الفاصلة أو الاختصاص بناء على أن يراد بالمعية الاستماع في حقه عز و جل وهو مجاز عن المسع اختير للمبالغة لأن فيه تسليما للادراك وهو مما ينزه الله تعالى عنه سواء كان بحاسة أم لا فسقط ما قيل من أن السمع في الحقيقة إدراك بحاسة فان أريد به مطلق الأدراك فالاستماع مثله فلا حاجة إلى التجوز فيه وإلى التجوز هنا ذهب غير واحد وقال بعضهم : إنا معكم مستمعون جملة استعارة تمثيلية مثل سبحانه حاله عز و جل بحال ذي شوكة قد حضر مجادلة قوم يستمع ما يجري بينهم ليمد أولياءه بظهرهم على اعدائهم مبالغة في الوعد بالاعانة وحينئذ لاتجوز في شيء من مفرداته ولا يكون مستمعون مطلقا عليه تعالى فلا يحتاج إلى جعله بمعنى سامعين إلا أن يقال : إنه في المستعار منه كذلك لأن المقصود السمع دون الاستماع الذي قد لايوصل اليه لكنه كما ترى
وجوز أن يكون إنا معكم فقط تمثيلا لحاله عز و جل في نصره وإمداده بحال من ذكر ويكون الاستماع مجازا عن المسع وهو بحسب ظاهره لكونه لم يطلق عليه سبحانه كالسمع كالقرينة وإن كان مجازا والقرينة في الحقيقة عقلية وهي استحالة حضوره تعالى شأنه في مكان ولابد على هذا من أن يقال : إن الاستماع المذكور في تقرير التمثيل ليس هو الواقع في النظم الكريم بل هو من لوازم حضور الحكم للخصومة وفيه بعد
ثم إن ما ذكروه وإن كان مبنيا على جعل الخطاب لموسى وهرون وفرعون يمكن اجراؤه على جعله لهما عليهما السلام ولم يتبعهما أو لهما فقط أيضا بادنى عناية فافهم ولا تغفل
وزعم بعضهم ان المعية والاستماع على حقيقتهما ولا تمثيل والمارد أن ملائكتنا معكم مستمعون وهو مما لاينبغي أن يستمع ولابد في الكلام على هذا التقدير من إرادة الاعانة والنصرة وإلا فبمجرد معية الملائكة عليهم السلام واستماعهم لايطيب قلب موسى عليه السلام
الفاء في قوله تعالى فأتيا فرعون فقولا إنا رسولا رب العالمين
61
- لترتيب ما بعدها على ما قبلها من الوعد الكريم وليس هذا مجرد تأكيد للأمر بالذهاب لأن معناه الوصول إلى المأتي لا مجرد التوجه إلى المأتي كالذهاب
وافرد الرسول هنا لأنه مصدر بحسب الأصل وصف به كما يوصف بغيره من المصادر للمبالغة كرجل عدل فيجري فيه كما يجري فيه من الأوجه ولا يخفى الأوجه منها وعلى المصدرية ظاهر قول كثير عزة : لقد كذب الواشون ما فهت عندهم بسر ولا أرسلتهم برسول واظهر منه قول العباس بن مرداس : إلا من مبلغ عني خفافا رسولا بيت أهلك منتهاها أو لاتحادهما للاخوة أو لوحده المرسل أو المرسل به أو لأن قوله تعالى إنا بمعنى إن كلامنا فصح إفراد الخبر كما يصح في ذلك وفائدته الاشارة إلى أن كلا منهما مأمور بتبليغ ذلك ولو منفردا وفي التعبير برب العالمين رد على اللعين ونقض لما كان أبرمه من ادعاء الألوهية وحمل لطيف له على امتثال الأمر و أن في قوله تعالى أن أرسل معنا بني إسرائيل مفسرة لتضمن الارسال المفهوم من الرسول معنى القول وجوز أبو حيان كونهما مصدرية على معنى انا رسوله عز و جل بالأمر بالارسال وهو بمعنى الاطلاق والتسريح كما في قولك : أرسلت الحجر من يدي وأرسل الصقر والمراد خلهم يذهبوا معنا إلى فلسطين وكانت مسكنهما عليهما

الصفحة 67