كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

السلام لردهما على سبيل اللف والنشر المشوش فرد أولا ما وبخه به قدحا في نبوته أعني قوله وفعلت فعلتك الخ اعتناء بذلك واهتماما به وذلك بما حكاه سبحانه وتعالى بقوله جل وعلا قال فعلتها أي تلك الفعلة إذا أي إذ ذاك على ما أثره بعض المحققين سقى الله تعالى ثراه من أن إذا ظرف مقطوع عن الاضافة مؤثرا فيه الفتحة على الكسرة لخفتها وكثرة الدور وأقر عليه السلام بالقتل لثقته بحفظ الله تعالى له وقيد الفعل بما يدفع كونه قادحا في النبوة وهو جملة وأنا من الضلين
2
- أي من الجاهلين وقد جاء كذلك في قراءة ابن عباس وابن مسعود كما نقله أبو حيان في البحر لكنه قال : ويظهر أن ذاك تفسير للضالين لاقراءة مروية عن الرسول صلى الله عليه و سلم وأراد عليه السلام بذلك على ماروي عن قتادة أنه فعل ذلك جاهلا به غير متعمدا إياه عليه السلام إنما تعمد الوكز للتأديب فادى إلى ما أدى وفي معنى ما ذكر ما روي عن ابن زيد من أن المعنى وأنا من الجاهلين بأن وكزتي تأتي على نفسه وقيل : المعنى فعلتها مقدما عليها من غير مبالاة بالعواقب على أن الجهل بمعنى الاقدام من غير مبالاة كما فسر بذلك في قوله
الا لايجهلن أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
وهذا مما يحسن على بعض الاوجه في تقرير الجواب المذكور قيل : إن الضلال ههنا المحبة كما فسر بذلك في قوله تعالى إنك لفي ضلالك القديم وعنى عليه السلام أنه قتل القبطي غيرة لله تعالى حيث كان عليه السلام من المحبين له عز و جل وهو كما ترى ومثله ما قيل أراد من الجاهلين بالشرائع وفسر الضلال بذلك في قوله تعالى ووجدك ضالا فهدى وقال أبو عبيدة : من الناسين وفسر الضلال بالنسيان في قوله تعالى أن تضل احداهما فتذكر أحداهما الأخرى وعليه قيل المراد فعلتها ناسيا حرمتها وقيل : ناسيا أن وكزي ذلك مما يفضي إلى القتل عادة والذي أميل اليه من بين هذه الأقوال ما روي عن قتادة وسيأتي إنشاء الله تعالى في سورة القصص ما يتعلق بهذا المقام
وأخرج أبو عبيدة وابن المنذر وابن جريج عن ابن مسعود أنه قرأ فعلتها إذ انا من الضالين ففرت أي خرجت هاربا منكم لما خفتكم أي حين توقعت مكروها يصيبني منكم ذلك حين قيل له إن الملأ يأتمرونبك ليقتلوك ومن هنا يعلم وجه جمع ضمير الخطاب وقرأ حمزة في رواية لما بكسر اللام وتخفيف الميم على أن اللام حرف جر وما مصدرية أي لخوفي إياكم فوهب لي ربي حكما أي نبوة أو علما وفهما للاشياء على ما هي عليه والاول مروي عن السدي وتأول بعضهم ذلك بأنه أراد علما هو من خواص النبوة فيكون الحكم بهذا المعنى أخص منه بالمعنى الثاني وقرأ عيسى حكما بضم الكاف وجعلني من المرسلين
12
- اشارة على ظاهر الاول من تفسيري الحكم إلى تفضله تعالى عليه برتبة هي فوق رتبة النبوة أعني رتبة الرسالة ولم يقل فوهب لي ربي حكما ورسالة أو جعلني رسولا اعظاما لأمر الرسالةوتنبيها لفرعون على أن رسالته عليه السلام ليس أمرا مبتدعا بل هو مما جرت به سنة الله تعالى شأنه وحاصل الرد أن ماذ : رت من نسبة القتل إلى مسلم لكنه ليس مما أوبخ به ويقدح في نبوتي لأنه كان قبل النبوة من غير تعمد حيث كان الوكز للتأديب وترتب عليه ذلك ورد ثانيا امتنانه الذي تضمنه قوله : ألم نربك فينا وليدا الخ فقال : وتلك أي التربية المفهومة من قوله : ألم نربك الخ نعمة تمنها أي تنعم بها علي فهو من باب الحذف والايصال وتمن من المنة بمعنى الانعام والمضارع لاستحضار الصورة وجوز أن يكون من المن والمعنى تلك نعمة تعدها علي فليس

الصفحة 69