كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

وفي بعض الروايات أنهم يطلبون البشرى من الملائكة عليهم السلام فيقولون ذلك لهم وقال بعضهم : يعنون حراما محرما عليكم الجنة وحكاه في مجمع البيان عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقيل : الغفران وفي جعل حجرا نصب على المفعولية لجعل مقدرا كما أشير اليه بحث والظاهر على ما ذكر أن ايراد هذه الكلمة للحرمان وهو المعنى الأول منن المعنيين اللذين ذكرهما الفارسي ويقولون على هذا القول قيل معطوف على ما عطف عليه على القول بان ضميره للكفرة وقيل : معطوف على جملة يقولون المقدرة قبل لابشرى الواقعة حالا
وقال الطيبي : هو حال من الملائكة بتقدير وهم يقولون نظير قولهم : قمت وأصك وجهه وعلى الأول هو عطف على يرون وقدمنا أي عمدنا وقصدنا كما روي عن ابن عباس وأخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرحمن بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد إلى ما عملوا في الدنيا من عمل فخيم كصلة رحم وإغاثة ملهوف وقري ضعيف ومن على أسير وغير ذلك من مكارمهم ومحاسنهم التي لو كانوا عملوها مع الايمان لنالوا ثوابها والجار والمجرور بيان لما وضحه البيان باعتبار التنكير كصحة الاستثناء في إن نظن إلا ظنا لكن التنكير هنا للتفخيم كما أشرنا
وجوز أن يكون للتعميم ودفع مايتوهم من العهد في الموصول أي عمدنا إلى كل عمل عملوه خال عن الايمان ولعل الأول أنسب بقوله تعالى فجعلناه هباء مثل هباء الحقارة وعدم الجدوى وهو على ما أخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي حاتم عن علي كرم الله تعالى وجهه وهج الغبار يسطع ثم يذهب
وأخرج ابن ابي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه الشرر الذي يطير من النار إذا أضطرمت وفي رواية أخرى عنه أنه الماء المهراق وعن يعلى بن عبيد أنه الرماد
وأخرج جماعة عن مجاهد والحسن وعكرمة وأبي مالك وعامر أنه شعاع الشمس في الكوة كأنهم ارادوا ما فيه من الغبار كما هو المشهور عند اللغويين قال الراغب : الهباء دقاق التراب وما أنبث في الهواء فلا يبدو إلا في أثناء ضوء الشمس في الكوة ويقال : هبا الغبار يهبو إذا ثار وسطع ووصف بقوله تعالى منثورا
32
- مبالغة في الغاء أعمالهم فان الهباء تراه منتظما مع الضوء فاذأ حركته الريح تناثر وذهب كل مذهب فلم يكف أن شبه أعمالهم بالهباء حتى جعل متناثرا لايمكن جمعه والانتفاع به أصلا ومثل هذا الارداف يسمى في البديع بالتميم والايغال ومنه قول الخنساء : أغر أبلج تأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار حيث لم يكفها أن جعلته علما في الهداية حتى جعلته في رأسه نار وقيل : وصف بالمنثور أي المتفرق لما أن اغراضهم في أعمالهم متفرقة فيكون جعل أعمالهم هباء متفرقا جزاء من جنس العمل وجوز أن يكون مفعولا بعد مفعول لجعل وهو مراد من قال : مفعولا ثالثا لها على معنى جعلناه جامعا لحقارة الهباء والتناثر ونظير ذلك قوله تعالى : كونوا قردة خاسئين أي جامعين للمسخ والخسء وفيه خلاف ابن درستويه حيث لم يجوز أن يكون لكان خبر ان وقياس قوله : أن يمنع أن يكون لجعل مفعول ثالث ومع هذا الظاهر الوصفية وفيه الكلام استعارة تمثيلية حيث مثلت حال هؤلاء الكفرة وحال أعمالهم التي عملوها

الصفحة 7