كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

قال عليه السلام عادلا عن جوابه إلى ذكر صفاته عز و جل على نهج الاسلوب الحكيم اشارة الى تعذر بيان الحقيقة رب السموات والارض وما بينهما والكلام في امتناع معرفة الحقيقة وعدمه قد مر عليك فتذكر ورفع رب على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو رب السموات والأرض وما بينهما منن العناصر والعنصريات إن كنتم موقنين
42
- أي إن كنتم موقنين بالأشياء محققين لها علمتم ذلك أو أن كنتم موقنين بشيء من الاشياء فهذا أولى بالايقان لظهوره وانارة دليله فان هذه الاجرام المحسوسة ممكنة لتركبها وتعددها وتغير أحوالها فلها مبدأ واجب لذاته ثم ذلك المبدأ لابد أن يكون مبدأ لسائر الممكنات ما يمكن أن يحس بها وما لايمكن والا لزم تعدد الواجب أو استغناء بعض الممكنات عنه وكلاهما محال وجواب ان محذوف كما أشرنا اليه
قال فرعون عند سماع جوابه عليه السلام خوفا من أن يعلق منه في قلوب قومه شيء لمن حوله من أشراف قومه قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : كانوا خمسمائة رجل عليهم الاساور وكانت للملوك خاصة ألا تستمعون
52
- جوابه يريد التعجب منه والازراء بقائله وكان ذلك لعدم مطابقته للسؤال حيث يبين في الحقيقة المسؤول عنها وكونه في زعمه نظرا لما عليه قومه من الجهالة غير واضح في نفسه لخفاء العلم بامكان ما ذكر أو حدوثه الذي هو علة الحاجة إلى المبدأ الواجب لذاته عليهم وقد بالغ اللعين في الاشارةإلى عدم الاعتداد بالجواب المذكور حيث أوهم أن مجرد استماعهم له كاف في رده وعدم قبوله وكان موسى عليه السلام لما استشعر ذلك اللعين قال عدولا إلى ما هو أوضح وأقرب اعطاء لمنصب الارشاد حقه حسب الامكان لتعذر الوقوف على الحقيقة كما سمعت : ربكم ورب ءابائكم الأولين
62
- فان الحدوث والافتقار إلى واجب مصور حكيم في المخاطبين وآبائهم الذين ذهبوا وعدموا أظهر والنظر في الانفس أقرب وأوضح من النظر في الآفاق ولما رأى اللعين ذلك وقوي عنده خوف فتنة قومه قال مبالغا في الرد والاشارة إلى عدم الاعتداد بذلك مصرحا بما ينفر قلوبهم عن قائله وقبول ما يجيء به
إن رسولكم الذي ارسل اليكم لمجنون
72
- حيث يسئل عن شيء ويجيب عن شيء آخر وينبه على ما في جوابه ولا ينتبه وسماه رسولا بطريق الاستهزاء وأضافة إلى مخاطبيه ترفعا من أن يكون مرسلا إلى نفسه وأكد ذلك بالوصف وفيه إثارة لغضبهم واستدعاء لانكارهم رسالته بعد سماع الخبر ترفعا بانفسهم عن أن يكونوا أهلا لأن يرسل اليهم مجنون
وقرأ مجاهد والأعرج أرسل على بناء الفاعلأي الذي أرسله ربه اليكم وكأنه عليه السلام لما رأى خشونة رد اللعين وإيماء منه إلا أنه عليه السلام لم يتنبه لما في جوابه الأول من الخفاء عند قومه بل كان عدوله عنه إلى الجواب الثاني لما رماه به عليه اللعنة قال عليه السلام تفسيرا لجوابه الأول وإزالة لخفائه ليعلم أن العدول ليس إلا لظهور ما عدل اليه ووضوحه وقربه إلى الناظر لما رمى به وحاشاه مع الاشارة إلى تعذر بيان الحقيقة أيضا بالاصرار على الجواب بالصفات رب المشرق والمغرب وما بينهما وذلك لأنه لم يكن في الجواب الأول تصريح باستناد حركات السموات وما فيها وتغيرات أحوالها وأوضاعها

الصفحة 72