كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

منه ولم يأتوا إلا بتمويه وتزويق كذا قيل والتحقيق أن ذلك هو الغالب في السحر لاأن كل سحر كذلك
وقول القزويني : إن دعوى أن في السحر تبديل صورة حقيقة خرافات العوام وأسمار النسوة فان ذلك مما لايمكن في سحر أبدا لايخلو عن مجازفة واستدل بذلك أيضا على أن التبحر في كل علم نافع فان أولئك السحرة لتبحرهم في علم السحر علموا حقية ما أتى به موسى عليه السلام وأنه معجزة فانتفعوا بزيادة علمهم لأنه أداهم إلى الاعتراف بالحق والايمان لفرقهم بين المعجزة والسحر
وتعقب بأن هذا إنما يثبت حكما جزئيا كما لايخفى وذكر بعض الأجلة أنهم إنما عرفوا حقية ذلك بعد أن أخذ موسى عليه السلام العصا فعادت كما كانت وذلك أنهم لم يروا لحبالهم وعصيهم بعد أثرا وقالوا : لو كان هذا سحرا لبقيت حبالنا وعصينا ولعلها على هذا صارت أجزاء هبائية وتفرقت أو عدمت لانقطاع تعلق الارادة بوجودها وقال الشيخ الأكبر قدس سره في الباب السادس عشر والباب الاربعين من الفتوحات : إن العصا لم تلقف إلا صور الحياة من الحبال والعصي وأما هي فقد بقيت ولم تعدم كما توهمه بعض المفسرين ويدل عليه قوله تعالى تلقف ما صنعوا وهم لم يصنعوا إلا الصور ولولا ذلك لوقعت الشبهة للسحرة في عصا موسى عليه السلام فلم يؤمنوا انتهى ملخصا فتأمل قالوا ءامنا برب العالمين
74
- بدل اشتمال من ألقى لما بين الالقاء المذكور وهذا القول من الملابسة أو حال باضمار قد أو بدونه ويحتمل أن يكون استئنافا بيانيا كأنه قيل : فما قالوا : فقيل قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهرون
84
- عطف بيان لرب العالمين أو بدل منه جيء به لدفع توهم إرادة فرعون حيث كان قومه الجهلة يسمونه بذلك وللاشعار بأن الموجب لايمانهم به تعالى ما أجراه سبحانه على أيديهما من المعجزة القاهرة ومعنى كونه تعالى ربهما أنه جل وعلا خالقهما ومالك أمرهما
وجوز أن يكون اضافة الرب اليهما باعتبار وصقهما له سبحانه بما تقدم من قول موسى عليه السلام : رب السموات والأرض وما بينهما وقوله رب آبائكم الأولين وقوله : رب المشرق والمغرب وما بينهما فكأنهم قالوا : ءامنا برب العالمين الذي وصفه موسى وهرون ولايخفى ما فيه وإن سلم سماعهم للوصف المذكور بعد أن حشروا من المدائن قال فرعون للسحرة ءامنتم له قبل أن ءاذن لكم أي بغير أن آذن لكم بالايمان له كما في قوله تعالى : قبل أن تنفد كلمات ربي ألا ان الاذن منه ممكن أو متوقع إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فتواطأتم على ما فعلتم فيكون كقوله : ان هذا لمكر مكرتموه الخ أو علمكم شيئا دون شيء فلذلك غلبكم كما قيل ولا يرد عليه أنه لايتوافق الكلامان حينئذ إذ يجوز أن يكون فرعون قال كلا منهما وان لم يذكرا معا هنا وأراد اللعين بذلك التلبيس على قومه كيلا يعتقدوا أنهم ءامنوا عن بصيرة وظهور حق
وقرأ الكسائي وحمزة وروح أآمنتم بهمزتين فلسوف تعلمون وبال ما فعلتم واللام قيل للابتداء دخلت الخبر لتأكيد مضمون الجملة والمبتدأ محذوف أي فلانتم سوف تعلمون وليست للقسم لأنها لاتدخل على المضارع إلا مع النون المؤكدة وجمعها مع سوف للدلالة على أن العلم كائن لامحالة وان تأخر

الصفحة 79