كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

جاز حذف الفاء منه لتقدم وهو مبني على مذهب الكوفيين وأبي زيد والمبرد حيث يجوزون تقديم جواب الشرط وعلى هذا فالظاهر أنهم لم يكونوا متحققين بأنهم أول المؤمنين وقيل : كانوا متحققين ذلك لكنهم أبرزوه في صورة الشك لتنزيل الأمر المعتمد منزلة غيره تلميحا وتضرعا لله تعالى وفي ذلك هضم النفس والمبالغة في تحري الصدق والمشاكلة مع نطمع على ما هو الظأهر فيه وجوز أبو حيان أن تكون ان هي المخففة من الثقيلة ولا يحتاج إلى اللام الفارقة لدلالة الكلام على أنهم مؤمنون فلا احتمال للنفي وقد ورد مثل ذلك في الفصيح ففي الحديث إن كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحب العسل وقال الشاعر : ونحن اباة الضيم من آل مالك وإن مالك كانت كرام المعادن وعلى هذا الوجه يكونون جازمين بأنهم أول المؤمنين أتم جزم واختلف في أن فرعون هل فعل بهم ما أقسم عليه أولا والأكثرون على أنه لم يفعل لظاهر قوله تعالى انتما ومن اتبعكما الغالبون وبعض هؤلاء زعم أنهم لما سجدوا رأوا الجنات والنيران وملكوت السموات والأرض وقبضت أرواحهم وهم ساجدون وظواهر الآيات تكذب أمر الموت في السجود وأما رؤية أمر ما ذكر فلا جزم عندي بصدقه والله تعالى أعلم
وأوحينا الى موسى أن أسر بعبادي وذلك بعد سنين أقام بين ظهرانيهم يدعوهم إلى الحق ويظهر لهم الآيات فلم يزيدوا إلا عتوا وعنادا حسبما فصل في سورة الأعراف بقوله تعالى ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين الآيات وقريء أن اسر بكسر النون ووصل الألف من سرى وقرأ اليماني ان سر أمرا من سار يسير إنكم متبعون
25
- تعليل للامر بالاسراء أي يتبعكم فرعون وجنوده مصبحين فأسر ليلا بمن معك حتى لايدركوكم قبل الوصول إلى البحر بل يكونون على أثركم حين تلجون البحر فيدخلون مداخلكم فأطبقه عليهم فاغرقهم فأرسل فرعون الفاء فصيحة أي فاسرى بهم وأخبر فرعون بذلك فأرسل في المدائن أي مدائن مصر حاشرين
35
- جامعين للعساكر ليتبعوهم إن هؤلاء يريد بني إسرائيل والكلام على إرادة القول والظاهر أنه حال أي قائلا إن هؤلاء لشرذمة أي طائفة من الناس وقيل : هي السفلة منهم وقيل : بقية كل شيء خسيس ومنه ثوب شراذم وشرذامة أي خلق مقطع قال الراجز : جاء الشتاء وقميصي أخلاق شراذم يضحك منه التواق وقريء لشرذمة باضافة شر مقابل خير إلى ذمة وقال أبو حاتم : وهي قراءة من لايؤخذ منه ولم يروها أحد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قليلون
45
- صفة شرذمة وكان الظاهر قليلة إلا أنه جمع باعتبار أن الشرذمة مشتملة على أسباط كل سبط منهم قليل وقد بالغ اللعين في قتلهم حيث ذكرهم أولا باسم دال على القلة وهو شرذمة ثم وصفهم بالقلة ثم جمع القليل للاشارة إلى قلة كل حزب منهم وأتى بجمع السلامة وقد ذكر أنه دال على القلة واستقلهم بالنسبة إلى جنوده
فقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدي أن موسى عليه السلام خرج في ستمائة ألف وعشرين ألفا لايعد فيهم ابن عشرين لصغره ولا ابن ستين لكبره وتبعهم فرعون على مقدمته هامان في الف الف وسبعمائة الف

الصفحة 81