كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

السبب الذي تضمنته الآيات الثلاث فحملتهم عليه أو خلقنا خروجهم من جنات وعيون
75
- كانت لهم بحافتي النيل كما روي عن ابن عمر وغيره وكنوز أي أموال كنزوها وخزنوها تحت الأرض وخصت بالذكر لأن الأموال الظاهرة أمور لازمة لهم لأنها من ضروريات معاشهم فاخراجهم عنها معلوم بالضرورة وقيل : لأن أموالهم الظاهرة قد انطمست بالتدمير
تعقب بأن الاخراج قبل الانطماس إذ من جملة الأموال الظاهرة الجنات والاخبار عنهم بانهم أخرجوا منها بعنوان كونها جنات والأصل فيه الحقيقة وعلى تقدير تسليم أنه بعد يرد أن المدمر ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون وهو مفسر بالقصور والعمارات والجنان فيبقى ما سوى ذلك غير محكوم عليه بالتدمير من الأموال الظاهرة مع أنهم أخرجوا منه أيضا فيحتاج توجيه عدم التعرض له بغير ما ذكر
وقيل : المراد بالكنوز أموالهم الباطنة والظاهر وأطلق عليها ذلك لأنها لم ينفق منها في طاعة الله تعالى ونقل ذلك عن مجاهد والأول أوفق باللغة وأكثر جهلة أهل مصر يزعمون أن هذه الكنوز في المقطم من أرض مصر وأنها موجودة إلى الآن وقد بذلوا على إخراجها أموالا كثيرة لشياطين المغاربة وغيرهم فلم يظفروا إلا بالتراب أو حجر الكذان وقال ابن جبير : المراد بالعيون عيون الذهب وهو خلاف المتبادر ومثله ما قاله الضحاك من أن المراد بالكنوز الانهار ومقام كريم
85
- هي المساكن الحسان كما قال النقاش وعن ابن لهيعة أنها كانت بالفيوم من أرض مصر وقيل : مجالس الأمراء والاشراف والحكام التي تحفها الاتباع وقيل : الأسرة في الكلل وحكى الماوردي أنها مرابط الخيل وعن ابن عباس ومجاهد والضحاك أنها المنابر للخطباء وقرأ قتادة والأعرج ومقام بضم الميم من أقام كذلك إما في موضع نصب على أن يكون صفة لمصدر مقدر أي إخراجا مثل ذلك الاخراج اخرجنا والاشارة إلى مصدر الفعل أو في موضع جر على أن يكون صفة لمقام أي مقام كريم مثل ذلك المقام الذي كان لهم وعلى الوجهين لايرد أنه يلزم تشبيه الشيء بنفسه كما زعم أبو حيان لما مر تحقيقه أو في موضع رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي الأمر كذلك والمراد تقرير الأمر وتحقيقه واختار هذا الطيبي فقال : هو أقوى الوجوه ليكون قوله تعالى : وأورثناها بني إسرائيل
92
- أي ملكناها لهم تمليك الارث عطفا عليه والجملتان معترضتان بين المعطوف عليه وهو فأخرجناهم والمعطوف وهو قوله تعالى : فأتبعوهم لأن الاتباع عقب الاخراج لا الايراث
قال الواحدي : إن الله تعالى رد بني إسرائيل إلى مصر بعدما أغرق فرعون وقومه فاعطاهم جميع ما كان لقوم فرعون من الأموال والعقار والمساكن وعلى غير هذا الوجه يكون أورثنا عطفا على أخرجنا ولابد من تقدير نحو فاردنا إخراجهم وإيراث بني إسرائيل ديارهم فخرجوا واتبعوهم انتهى ويفهم من كلام بعضهم أن جملة أورثناها الخ معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه في جميع الأوجه وما ذكر عن الواحدي من أن الله تعالى رد بني إسرائيل إلى مصر بعدما أغرق فرعون وقومه ظاهره وقوع ذلك بعد الغرق من غير تطاول مدة
وأظهر منه في هذا ما روي عن الحسن قال : كما عبروا البحر ورجعوا وورثوا ديارهم وأموالهم ورأيت في بعض الكتب أنهم رجعوا مع موسى عليه السلام وبقوا معه في مصر عشر سنين وقيل : إنه رجع بعضهم بعد إغراق فرعون وهم الذي أورثوا أموال القبط وذهب الباقون مع موسى عليه السلام إلى أرض الشام

الصفحة 83