كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

وقيل : انهم بعد أن جاوزوا البحر ذهبوا إلى الشام ولم يدخلوا مصر في حياة موسى عليه السلام وملكوها زمن سليمان عليه السلام والمذكور في التوراة التي بأيدي اليهود اليوم صريح في أنهم بعد أن جاوزوا البحر توجهوا إلى أرض الشام وقد فصلت قصة ذهابهم اليها وأكثر التواريخ على هذا وظواهر كثير من الآيات تقتضي ما ذكره الواحدي والله تعالى أعلم ومعنى أتبعوهم لحقوهم يقال : تبعت القوم فاتبعهم أي تلوتهم فلحقتهم كأن المعنى فجعلتهم تابعين لي بعد ما كنت تابعا لهم مبالغة في اللحوق وضمي رالفاعل لقوم فرعون والمفعول لبني اسرائيل وقرأ الحسن فاتبعوهم بوصل الهمزة وشد التاء مشرقين
6
- أي داخلين في وقت شروق الشمس أي طلوعها من أشرق زيد دخل في وقت الشروق كأصبح دخل في وقت الصباح وأمسى دخل في وقت المساء وقال أبو عبيدة : هو من أشرق توجه نحو الشرقكانجد توجه نحو نجد وأعرق توجه نحو العراق أي فاتبعوهم متوجهين نحو الشرق والجمهور على الاول وعن السدي أن الله تعالى القى على القبط الموت ليلة خرج موسى عليه السلام بقومه فمات كل بكر رجل منهم فشغلوا عن طلبهم بدفنهم حتى طلعت الشمس ومثل ذلك في التوراة بزيادة موت أبكار بهائمهم أيضا والوصف حال من الفاعل وقيل : هو حال من المفعول
ومعنى مشرقين في ضياء بناء على ما روي أن بني إسرائيل كانوا في ضياء وكان فرعون وقومه في ضباب وظلمة تحيروا فيها حتى جاوز بنو إسرائيل البحر ولايكاد يصح ذلك لقوله تعالى : فلما تراء الجمعان أي تقاربا بحيث رأى كل واحد منهما الآخر نعم ذكر في التوراة ما حاصله أن بني إسرائيل لما خرجوا كان أمامهم نهارا عمود من غمام رليلا عمود من نار ليدلهم ذلك على الطريق فلما طلبهم فرعون ورأوا جنوده خافوا جدا ولاموا موسى عليه السلام في الخروج وقالوا له : أمن عدم القبور بمصر أخرجتنا لنموت في البر أما قلنا لك : دعنا نخدم المصريين فهو خير من موتنا في البر فقال لهم موسى : لاتخافوا وانظروا إغاثة الله تعالى لكم ثم أوحى الله تعالى إلى موسى أن يضرب بعصاه البحر فتحول عمود الغمام إلى ورائهم وصار بينهم وبين فرعون وجنوده ودخل الليل ولم يتقدم أحد من جنود فرعون طول الليل وشق البحر ثم دخل بنو إسرائيل وليس في هذا ما يصح أمر الحالية المذكورة فتأمل
وقرأ الأعمش وابن وثاب ترا بغير همز على مذهب التخفيف بين بين ولا يصح تحقيقها بالقلب للزوم ثلاث ألفات متسقة وذلك مما لايكون أبدا قاله أبو الفضل الرازي وقال ابن عطية وقرأ حمزة تريثي بكسر الراء وبمد ثم بهمز وروى مثله عن عاصم وروي عنه أيضا تراءى بالفتح والمد وقال أبو جعفر أحمد بن علي الانصاري في كتابه الاقناع تراءى الجمعان في الشعراء إذ وقف عليها حمزة والكسائي أمالا الألف المنقلبة عن لام الفعل وحمزة يميل الف تفاعل وصلا ووقفا كامالة الألف المنقلبة
وقريء فلما تراءت الفئتان قال أصحاب موسى إنا لمدركون
16
- أي لملحقون جاؤا بالجملة الاسمية مؤكدة بحرفي التأكيد للدلالة على تحقق الادراك واللحاق وتنجيزهما وأرادوا بذلك التحزن وإظهار الشكوى طلبا للتدبير وقرأ الأعرج وعبيد بن عمير لمدركون بفتح الدال مشددة وكر الراء من الادراك بمعنى الفناء والاضمحلال يقال : أدرك الشيء إدا فنى تتابعا وأصله التتابع وهو ذهاب أحد على أثر آخر ثم صار في عرف اللغة بمعنى الهلاك وأن يفنى شيئا فشيئا حتى يذهب جميعه وقد جاء التتابع بهذأ المعنى في قول الحماسي :

الصفحة 84