كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

إذا ضربك فبات البحر له أفكل أي رعدة لايدري من أي جوانبه يضربه وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد ابن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام ان موسى عليه السلام قال : يامن كان قبل كل شيء والمكون لكل شيء والكائن بعد كل شيء اجعل لنا مخرجا فأوحى الله تعالى اليه ان اضرب بعصاك البحر
وروي أنه عليه السلام قال : اللهم لك الحمد واليك المشتكى واليك المستغاث وأنت المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وفي الدر المنثور من رواية ابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعا ما يدل أنه عليه السلام قال ذلك حين الانفلاق فانفلق أي فضربه فانفلق فالفاء فصيحة وزعم ابن عصفور في مثل هذا التركيب أن المحذوف هو ضرب وفاء انفلق والفاء الموجودة هي فاء ضرب وهذا أشبه شيء بلغي العصافير وكأنه كان سكران حين قاله وفي هذا الحذف إشارة إلى سرعة امتثاله عليه السلام وإنما أمر عليه السلام بالضرب فضرب وترتب الانفلاق عليه اعظاما لموسى عليه السلام بجعل هذه الآية العظيمة مترتبة على فعله ولو شاء عز و جل لفلقه بدون ضربه بالعصا ويورى أنه لم ينفلق حتى كناه أبا خالد : وكان بأمر الله تعالى إياه بذلك وعن قيس بن عباد أنه عليه السلام حين جاءه قال له : إنفلق أبا خالد فقال : لن أنفلق لك ياموسى أنا أقدم منك وأشد خلقا فنودي عند ذلك اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق وفي رواية عن ابن مسعود أنه عليه السلام حين انتهى اليه قال : انفرق فقال له : لقد استكبرت يا موسى وهل انفرقت لأحد من ولد آدم فأوحى الله تعالى اليه أن اضرب بعصاك البحر فضربه فتأطط كا يتأطط العرش ثم ضربه الثانية فمثل ذلك ثم ضربه الثالثة فانصدع وهذا صريح في أن الضرب كان ثلاثا وقيل : ضربه مرة واحدة فانفلق وقيل : ضربه اثنتي عشرة مرة فانفلق في كل مرة عن مسلك لسبط
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جبير أنه قال : كان البحر ساكنا لايتحرك فلما كان ليلة ضربه موسى بالعصا صار يمد ويجزر ولا أظن لهذا صحة والظاهر أن المد والجزر كانا قبل أن يخلق الله تعالى موسى عليه السلام ولا ينبغي لعاقل اعتقاد غيره ومثل هذا عندي كثير من الاخبار السابقة والاسلم الاقتصار على ماقص الله تعالى من أنه أوحى سبحانه إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم
36
- أي كالجبل المنيف الثابت في مقره وظاهر الآية أن الطود مطلق الجبل وقال في الصحاح : الطود الجبل العظيم
في قول من قال : ان الفروق اثنا عشرة والمسالك كذلك بعدة أسباط بني اسرائيل وقد سلك كل سبط منهم في مسلك منها والمشهور ان الفرق قطعة انفصلت من الماء عما يقابلها وحينئذ لايتأتل ذلك القول بل لابد عليه على ما قيل من كون الفروق ثلاثة عشرة حتى يحصل في خلالها اثنا عشر مسلكا بعدد الاسباط وقيل : إذا كانت الفروق اثني عشر فلابد أن تكون المسالك ثلاثة عشر لأن الفرق الأول والثاني عشر لابد أن يكونا منفصلين عما يحاذيهما من البحر فيكون بين كل منهما وبين ما يحاذيه من البحر مسلك وإن لم يكن كسائر المسالك بين فرقين إد لو اتصلا لم يميزا عنه ولم يتحقق حينئذ اثنا عشر فرقا بل أقل ولا بعد في ان يختار كون الفروق اثني عشر والمسالك ثلاثة عشر بجعل الفرق الأول والثاني عشر منفصلين عما يحاذيهما من البحر بين كل

الصفحة 86