كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

منهما وبينه مسلك ويقال : إن كل سبط من الأسباط الاثني عشر سلك في مسلك وسلك في الثالث عشر من ءامن بموسى عليه السلام من القبط انتهى
وأورد عليه أنه لم يذكر في الآثار أن المسالك ثلاثة عشر وإنما المذكور فيها أنها اثنا عشر ومن ادعى ذلك فعليه البيان والابعد عن القيل والقال ما تقدم عن بعض الأجلة وأثر قدرة الله تعالى عليه أعظم وخلق الداعية إلى سلوك ذلك في قلوب الداخلين لاسيما قوم فرعون أغرب وكذا الاحتياج إلى الكوي أظهر
فقد روي أن بني إسرائيل قالوا : نخاف أن يغرق بعضنا ولا نشعر فجعل الله تعالى بينهم كوى حتى يرى بعضهم بعضا نعم قيل عليه : إن في بعض الآثار ما يأباه فقد اخرج أبو العباس محمد بن اسحق السراج في تأريخه وابن عبد البر في التمهيد من طريق يوسف بن مهران عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن صاحب الردم كتب إلى معاوية يسأله عن أشياء منها مكان طلعت فيه الشمس لم تطلع قبل ولابعد فيه فلم يعلم معاوية جواب ذلك فكتب يسأل ابن عباس فأجاب عن كل إلى أن قال : وأما المكان الذي طلعت فيه الشمس لم تطلع قبل ولا بعد فيه فالمكان الذي انفلق من البحر لبني إسرائيل فان كون الفرق مقببا كالسرداب مانع من طلوع الشمس وشروقها على ألارض من غير واسطة كما هو الظاهر من السؤال
وأجيب بانه بعد تسليم صحة الخبر لا إباء لجواز شروق الشمس على أرض الفرق المقبب من غير واسطة من جهة المدخل والمخرج أو شروقها على أرض البحر قبل التقبيب ولم يتعرض المفسرون هنا فيما وقفت عليه لكيفية الانطلاق وقد رأيت فيما ينسب إلى كليات أبي البقاء أنه قد ورد أن بني اسرائيل لما دخلوا البحر خرجوا من الجانب الذي دخلوا منه وحينئذ لايتأتى ذلك على كون الانفلاق خطيا وإنما يتأتى على كونه قوسيا ثم أنه ذكر في عدة الفروق والمسالك كلاما ظاهره الاختلال وقد تصدى بعض الفضلاء لشرحه وتوجيهه بما لايخلوا عن تعسف وحاصل ما ذكره ذلك البعض مع زيادة ما أنه يحتمل إذا كان انفلاق البحر الى اثني عشر فرقا أن يكون الفرق الأول والثاني عشر متصلين بالبر الشطي بأن يكون الماء الواقع حذاء كل منهما من جهة البر مرتفعا ومنضما الى كل ومعدود من أجزائه بحيث يصير الماء المرتفع المنضم والفرق الأصلي المنضم اليه فرقا واحدا متصلا طرفه بالبر من غير فصل بينه بشيء وأورد عليه أنه عليه أن تكون المسالك أحد عشر فيحتاج إلى سلوك سبطين معا أو متعاقبا في مسلك واحد أوسع من سائر المسالك أو مساو له ولا خفاء في أنه خلاف الظاهر والمأثور وأيضا يلزم أن يكون كل الفرقين الأول والثاني عشر أعظم غلظا من كل البواقي لما سمعت من الانضمام والظاهر تساويها وأيضا يلزم خروج الماء الملاصق للبر عما الأصل فيه من غير داع اليه ويحتمل أن يكون الماء الواقع حذأء كل من الأول والثاني عشر من جهة البر مرتفعا بمعنى ذاهبا ويكون الفرقان المذ : وران متصلين بالبر باعتبار أنهما متصلان بالمسلكين الظاهرين من تحت الماء الذاهب المتصلين بالبر ويرد عليه بعض ما ورد على سابقه وبقاء سبط من بني اسرائيل أو سبطين بلا حاجب لهم عن فرعون وجنوده من الماء
ويحتمل أن يكونا منفصلينعن البر بأن يبقى الماء المتصل به على حاله بحرا من غير ارتفاع وحينئذ يحتمل أن تكون المسالك ثلاثة عشر باعتبار انكشاف الأرض بين الفرق الأول والبحر الباقي على حاله المتصل

الصفحة 87