كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

السلام بيضاء للناظرين وانفلاق البحر وافردت لاتحاد المدلول
وما كان أكثرهم مؤمنين
76
- أي أكثر قوم فرعون الذين أمر موسى عليه السلام أن يأتيهم وهم القبط على ما استظهره أبو حيان حيث لم يؤمن منهم سوى مؤمن آل فرعون وآسية امرأة فرعون وبعض السحرة على القول بأن بعضهم من القبط لأكلهم كما عليه أهل الكتاب وهو الذي يقتضيه ظاهر كلام بعض منا والعجوز التي دلت موسى على قبر يوسف عليه السلام ليلة الخروج من مصر ليحمل عظامه معه وقيل المراد بالآية ما كان في البحر من إنجاء موسى عليه السلام ومن معه واغراق الآخرين وضمير أكثرهم للناس الموجودين بعد الاغراق والانجاء من قوم فرعون الذين لم يخرجوا معه لعذر ومن بني اسرائيل والمراد بالايمان المنفي عنهم التصديق اليقيني الجازم الذي لايقبل الزوال أصلا أي وما كان أكثر الناس الموجودين بعد تحقق هذه الآية العظيمة وظهورها مصدقين تصديقا يقينيا جازما لايقبل الزوال فان الباقين في مصر من القبط لم يؤمن أحد منهم مطلقا وأكثر بني اسرائيل كانوا غير متيقنين ولذا سألوا بقرة يعبدونها وعبدوا العجل فلا يقال لهم مؤمنون بالمعنى المذكور ويكفي في ايمان البعض الذي يدل عليه المفهوم كون البعض المؤمن من بني اسرائيل وحيث كان المراد وما كان أكثرهم بعد تحقق آيتي الاغراق والانجاء وظهورهما مؤمنين لايصح جعل الضمير للقبط إلا ببيان الاقل المؤمن والاكثر الكافر منهم بعد تحقق الآيتين وما ذكر في بيان الاقل المؤمن منهم ليس كذلك إذ ايمان من ذكر كان ابتداء الرسالة على أن العجوز من بني اسرائيل كما جاء في حديث اخرجه الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي موسى مرفوعا بل أخرج ابن عبد الحكم من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما انها شارح ابنة أشير بن يعقوب عليه السلام فهي بنت أخي يوسف عليه السلام فتكون أقرب من موسى عليه السلام إلى إسرائيل
وأجيب بأن من يرجع الضمير على القبط لايلزمه أن يفسر الآية بالاغراق والانجاء بل يقول : المراد بها المعجزات من العصا واليد وانفلاق البحر ويقول : إن إيمان الأقل بعد تحقق بعضها كاف لاتحاد مدلولها في تحقق المفهوم وأما إرجاع الضمير على الناس الموجودين بعد الأغراق والانجاء من بني اسرائيل وقوم فرعون الذين لم يخرجوا معه فخلاف الظأهر وكذا حمل الايمان على ما ذكر وجعل أكثر بني اسرائيل المخصوصين بالانجاء غير مؤمنين وإن حصل منهم عند وقوع بعض الآيات ما لاينبغي صدوره من المؤمنين فانهم لم يستمروا عليه فقد أخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن أبي الدرداء جعل النبي صلى الله عليه و سلم يصفق بيديه ويعجب من بني اسرائيل وتعنتهم لما حضروا البحر وحضر عدوهم جاؤا موسى عليه السلام فقالوا : قد حضرنا العدو فماذا أمرت قال : إن أنزل ههنا فاما أن يفتح لي ربي ويهزمهم وإما أن يفرق لي هذا البحر فانطلق نفر منهم حتى وقعوا في البحر فأوحى الله تعالى إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فضربه فتأطط كما يتأطط العرش ثم ضربه الثانية فمثل ذلك ثم ضربه الثالثة فانصدع فقالوا هذا عن غير سلطان موسى فجازوا البحر فلم يسمع بقوم أعظم ذنبا ولا أسرع توبة منهم
ومتى حمل الايمان على ما ذكر وصح نفي الايمان عمن صدر منه ما يدل على عدم رسوخه جاز ارجاع الضمير

الصفحة 90