كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

على بني اسرائيل فان أكثرهم لم يكونوا راسخين فيه وظاهر عبارة بعضهم يوهم ارجاعه اليهم وليس ذاك بشيء وقد سلك شيخ الاسلام في تفسير الآية مسلكا تفرد في سلوكه فيما أظن فقال : إن في ذلك أي في جميع ما فصل مما صدر عن موسى عليه السلام وظهر على يديه من المعجزات القاهرة ومما فعل فرعون وقومه من الأقوال والأفعال وما فعل بهم من العذاب والنكال لآية أي آية أية وآية عظيمة لاتكاد توصف موجبة لأن يعتبر بها المعتبرون ويقيسوا شأن النبي صلى الله عليه و سلم بشأن موسى عليه السلام وحال أنفسهم بحال أولئك المهلكين ويجتنبوا تعاطي ما كانوا يتعاطونه من الكفر والمعاصي ومخالفة الرسول ويؤمنوا بالله تعالى ويطيعوا رسوله صلى الله عليه و سلم كيلا يحل بهم ما حل بأولئك أو إن فيما فصل في القصة من حيث حكايته عليه السلام إياها على ماهي عليه من غير أن يسمعها من أحد لآية عظيمة على أن ذلك بطريق الوحي الصادق موجبة للايمان بالله تعالى وحده وطاعة رسوله صلى الله عليه و سلم وما كان أكثرهم أي أكثر هؤلاء الذين سمعوا قصتهم منه عليه الصلاة و السلام مؤمنين لابأن يقيسوا شأنه صلى الله عليه و سلم بشأن موسى عليه السلام وحال أنفسهم بحال أولئك المكذبين المهلكين ولا بأن يتدبروا في حكايته عليه الصلاة و السلام لقصتهم من غير أن يسمعها من أحد مع كون كل من الطريقين مما يؤدي إلى الايمان قطعا ومعنى ما كان أكثرهم مؤمنين ما أكثرهم مؤمنين على أن كان زائدة كما هو رأي سيبويه فيكون كقوله تعالى وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين وهو اخبار منه تعالى بما سيكون من المشركين بعد سماع الآيات الناطقة بالقصة تقريرا لما مر من قوله تعالى ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين فقد كذبوا الخ وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على استقرارهم على عدم الايمان واستمرارهم عليه
ويجوز أن تجعل كان بمعنى صار كما في وقله تعالى وكان من الكافرن فالمعنى وما صار أكثرهم مؤمنين مع ما سمعوا من الآية العظيمة الموجبة للايمان بما ذكر من الطريقين فيكون الاخبار بعدم الصيرورة قبل الحدوث للدلالة على كمال تحققه وتقرره كقوله تعالى : أتى أمر الله فلا تستعجلوه وادعى إن هذا التفسير هو الذي تقتضيه جزالة النظم الكريم من مطلع السورة الكريمة إلى آخر القصص السبع بل إلى آخر السورة الكريمة اقتضاء بينا ثم قال : وأما ما قيل من أن ضمير أكثرهم لأهل عصر فرعون من القبط وغيرهم وأن المعنى وما كان أكثر أهل مصر مؤمنين حيث لم يؤمن منهم إلا ءاسية ومؤمن ءال فرعون والعجوز التي دلت على قبر يوسف عليه السلام وبنوا اسرائيل بعدما نجوا سألوه بقرة يعبدونها واتخذوا العجل وقالوا : لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فبمعزل عن التحقيق كيف لا ومساق كل قصة من القصص الواردة في السورة الكريمة سوى قصة إبراهيم عليه السلام إنماهو لبيان حال طائفة معينة قد عتوا عن أمر ربهم وعصوا رسله كما يفصح عنه تصدير القصص بتكذيبهم المرسلين بعد ما شاهدا ما بأيديهم من اةيات العظام ما يوجب عليهم الايمان ويزجرهم عن الكفر والعصيان وأصروا على ما هم عليه من التكذيب فعاقبهم الله تعالى لذلك بالعقوبة الدنيوية وقطع دابرهم بالكلية فكيف يمكن أن يخبر عنهم بعدم ايمان أكثرهم لاسيما بعد الاخبار بهلاكهم وعد المؤمنين من جملتهم أولا واخراجهم منها ءاخرا مع عدم مشاركتهم لهم في شيء مما حكي عنهم من الجنايات أصلا مما يجب تنزيه التنزيل عن أمثاله ورجوع ضمير أكثرهم في قصة ابراهيم

الصفحة 91