كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

عليهعليه السلام إلى قومه مما لاسبيل اليه أيضا أصلا لظهور أنهم ما ازدادوا بما سمعوه منه إلا طغيانا وكفرا حتى اجترؤا على تلك العظيمة التي فعلوها به فكيف يعبر عنهم بعدم إيمان أكثرهم وإنما ءامن له لوط فنجاهم الله تعالى الى الشام فتدبر اه
وتعقب بأن فيها محذورا من عدة أوجه أما أولا فلأن حمل كان على الصلة مع ظهور الوجه الصحيح غير صحيح وقد لزم هنا بعد هذا حمل الجملة الاسمية باعتبار الاستمرار على انهم لايكونون بعد نزول هذه الآية مؤمنين وإن جعل بمعنى صار يلزم جعله مضارعا لكن عدل عنه للدلالة على كمال التحقق وهذا أيضا مع إمكان المعنى العاري عن الاحتياج لذلك غير مناسب وأما ثانيا فلأن إرجاع ضمير أكثرهم إلى قوم نبينا صلى الله عليه و سلم صرف عن مرجعه المتقدم المذكور لفظا سيما في القصص اةتية المصدرة بكذبت وأما ثالثا فلأن قوله : لابأن يقيسوا شأنه عليه الصلاة و السلام بشأن موسى عليه السلام الخ لايخلوا عن صعوبة إد الأمر المشترك بينهما عليهما الصلاة والسلام ليس إلا أن ان كلا منهما نبي مؤيد بالمعجزات مطلقا وأما ان نظر إلى خصوصيات المعجزات فلا يخفى أنه لا مشاركة بينهما وكذأ قياس حالهم على حال فرعون وقومه لايخلو عنها على هذا القياس وأما رابعا فلأن قوله تعالى إن في ذلك لآية الخ قد ذكر على هذا النسق في سبعة مواضع ولا بد من تنسيق تفسيره على نظام واحد فيها مهما أمكن ومن جملة ذلك ما في قصة نبي الله تعالى لوط عليه السلام وقد ذكر فيها من حال قومه فعلهم الشنيع المعهود ثم إهلاك جميعهم وما في قصة نبي الله تعالى شعيب عليه السلام وقد ذكر فيها من حال أصحاب الايكة عملهم المتعلق بالكيل والوزن ثم إهلاك جميعهم من غير تصريح بحيثية كفر كل قوم فلا يناسب فيهما ان يقال : إن في ذلك لآية موجبة لايمان قريش بان يقيسوا حال أنفسهم بحال أولئك المهلكين ويجتنبوا تعاطي ما كانوا يتعاطون من المعاصي هذا على الطريق الاول وأما الطريق الثاني ففيه أيضا عدة محذورات
أما أولا وثانيا فلما ذكر أولا وثانيا وأما ثالثا فلأن كلا من كلتا القصتين ذكر هنا على وجه الاجمال وذكر مفصلا في سورة أخرى وكل منهما ذكر محذث بحسب نزوله فلا وجاهة في أن يقال : وما أكثرهم مؤمنين بك بأن يتدبروا في حكايتك لقصتهم من غير أن تسمعها من أحد بناء على أنهم قد سمعوها منه عليه الصلاة و السلام مفصلة قبل نزول الآية مع أن كون حكايته صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك من غير أن يسمعه من أحد مما يؤدي إلى ايمانهم قطعا محل تردد وأما رباعا فلان آخر هذه القصة قوله تعالى : وأنجينا ثم أغرقنا وكذا آخر قصة لوط عليه السلام قوله تعالى : فنجيناه ثم دمرنا وأمطرنا فالمتبادر أن تكون الاشارة إلى نفس المحكي المشتمل على الافعال العجيبة الالهية لا إلى حكايتها وأما ما قاله في تزييف ما قيل فليس بشيء أيضا لأن نسبة التكذيب إلى كل قوم من الاقوام الذين نسب اليهم إنما هي باعتبار الأكثر كما يرشد اليه قوله تعالى في قصة قوم نوح عليه السلام حكاية عنهم بعد أن قال سبحانه : كذبت قوم نوح المرسلين قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون وقوله عز و جل بعد ذلك حكاية عن نوح عليه السلام ما قال في حوابهم وما أنا بطارد المؤمنين فيكون ضمير أكثرهم راجعا إلى القوم غير ملاحظ فيهم ذلك ومثله كثير في الكلام ويراد بالأكثر في المواضع السبعة جمع موصوفون بزيادة الكثرة سواء كان البعض المؤمن واحد أو أكثر فلا يرد أنه كيف يعبر عن قوم ابراهيم عليه السلام بعدم إيمان أكثرهم وانما آمن

الصفحة 92