كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

وجوز أن يكون من باب المجاز العقلي باطلاق وصف السبب على المسبب من حيث أن المغري والحامل على عبادتهم هو الشيطان الذي هو عدو مبين للانسان والأول أظهر والداعي للتأويل أن الأصنام لكونها جمادات لاتصلح للعداوة وما قيل : إن الكلام على القلب والاصل فاني عدو لهم ليس بشيء
وقال النسفي : العدو اسم للمعادي والمعادي جميعا فلا يحتاج إلى تأويل ويكون كقوله وتالله لأكيدن أصنامكم وصور الأمر في نفسه تعريضا لهم كما في قوله تعالى ومالي لا أعبد الذي فطرني واليه ترجعون ليكون أبلغ في النصح وأدعى للقبول ومن هنا استعمل الأكابر التعريض في النصح ومنه يحكي عن الشافعي رضي الله تعالى عنه أن رجلا واجهه بشيء فقال : لو كنت بحيث أنت لاحتجت إلى أدب وسمع رجل ناسا يتحدثون في الحجر فقال : ما هو بيتي ولا بيتكم وضمير إنهم عائد على ما وجمع مراعاة لمعناها وإفراد العدو مع أنه خبر عن الجمع إما لأنه مصدر في الأصل فيطلق على الواحد المذكر وغيره أو لاتحاد الكل في معنى العداوة أو لأن الكلام بتقدير فان كلا منهم أو لأنه بمعنى النسب أي ذو كذا فيستوي فيه الواحد وغيره كما قيل
وقوله سبحانه إلا رب العالمين
77
- استثناء منقطع من ضمير إنهم عند جماعة منهم الفراء واختاره الزمخشري أي لكن رب العالمين ليس كذلك فانه جل وعلا ولي من عبده في الدنيا والآخرة لايزال يتفضل عليه بالمنافع
وقال الزجاج : هو استثناء متصل من ذلك الضمير العائد على ما تعبدون ويعتبر شموله لله عر وجل وفي آبائهم الأقدمين من عبد الله جل وعلا من غير شك أو يقال : إن المخاطبين كانوا مشركين وهم يعبدون الله تعالى والأصنام وتخصيص الأصنام هنا بالذكر للرد لا لأن عبادتهم مقصورة عليها ولو سلم أنه لذلك فهو باعتبار دوام العكوف وذلك لاينافي عبادتهم إياه عز و جل أحيانا وقال الجرجاني : إن الاستثناء من ماكنتم تعبدون و إلا 9 بمعنى دون وسوى وفي الآية تقديم وتأخير والأصل أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم واباؤكم الأقدمون إلا رب العالمين أي دون رب العالمين فانهم عدو لي ولا يخفى ما فيه الذي خلقني صفة لرب العالمين ووصفه تعالى بذلك وبما عطف عليه مع اندراج الكل تحت ربوبيته تعالى للعالمين زيادة في الايضاح في مقام الارشاد وقيل : تصريحا بالنعم الخاصة به عليه السلام وتفصيلا لها لكونها أدخل في اقتضاء تخصيص العبادة به تعالى وقصر الالتجاء في جلب المنافع الدينية والدنيوية ودفع المضار العاجلة والآجلة عليه تعالى
فهو يهدين
87
- عطف على الصلة أي فهو يهديني وحده جل شأنه إلى كل ما يهمي ويصلحني من أمور المعاش والمعاد هداية متصلة بحين الخلق له هداية متدرجة من مبتدأ إيجاده إلى منتهى أجله يتمكن بها من جلب منافعه ودفع مضاره إما طبعا وإما اختيارا مبدؤها بالنسبة الى الانسان هداية الجنين لامتصاص دم الطمث في المشهور ومنهاها الهداية الى طريق الجنة والتنعم بنعيمها المقيم وجوز الحوفي وغيره كون الموصول مبتدأ وجملة هو يهديني خبره ودخلت الفاء في خبره لتضمنه معنى الشرط نحو ذلك الذي يأتيني فله
وتعقبه أبو حيان بأن الفاء انما يؤتى بها في خبر الموصول لتضمنه معنى الشرط اذا كان عاما وهنا لايتخيل فيه العموم فليس ما نحن فيه نظير المثال وأيضا الفعل الذي هو خلق مما لايمكن فيه تجدد بالنسبة الى ابراهيم عليه السلام فلعل ذلك على مذهب الأخفش من جواز زيادة الفاء في الخبر مطلقا نحو زيد فاضربه واجيب بأن اشتراط

الصفحة 95