كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

العموم غير مسلم كما فصله الرى وإنما هو أغلبي وبأن مطلق الخلق مما يمكن فيه التجدد وهو ممكن الارادة وإن ظهر في صورة المخصوص وتسبب الخلق للهداية بمقتضى الحكمة وقيل : إنه سبب للاخبار بها لتحققها وليس بشيء ويلزم على الاعراب المذكور أن يكون الموصول في قوله سبحانه : والذي هو يطعمني ويسقيني
97
- مبتدأ محذوف الخبر لدلالة ما قبله عليه وكذا اللذان بعده ولايخفى ما في ذلك لفظا ومعنى فاللائق بجزالة التنزيل الاعراب الأول وعليه يكون الموصول عطفا على الموصول الأول وإنما كرر الموصول في المواضع الثلاثة مع كفاية عطف ما حيز الصلة من الجمل الست على صلة الموصول الأول للايذان بأن كل واحدة من تلك الصلات نعت جليل له تعالى مستقل في استيجاب الحكم حقيق بأن تجري عليه عز و جل بحيالها ولا تجعل من روادف غيرها والظأهر أن المراد الاطعام والسقي إلى غيره عز و جل بخلاف الخلق وعلى هذا القياس فيما جيء فيه بهو وما ترك مما يأتي ان شاء الله تعالى
وعن أبي بكر الوراق أن المعنى يطعمني بلا طعام ويسقيني بلا شراب كما جاء أني أبيت يطعمني ربي ويسقين وهو مشرب صوفي وأتي بهذين الصفتين بعدما تقدم لما أن دوام الحياة وبقاء نظام خلق الانسان بالغذاء والشراب ما سلك فيهما مسلك العدل وهو أشد احتياجا اليهما منه الى غيرهما ألا ترى أن أهل النار وهم في النار لم يشغلهم ماهم فيه من العذاب عن طلبهما فقالوا أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله
وإذا مرضت فهو يشفين
8
- عطف على يطعمني ويسقين نظم معهما في سلك الصلة لموصول واحد لما أن الصحة والمرض من متفرعات الأكل والشرب غالبا فان الداء أكثر ما تراه يكون من الطعام أو الشراب وقال الحكماء : لو قيل لأكثر الموتى ما سبب آجالكم لقالوا : التخم ونسبة المرض الذي هو نقمة الى نفسه والشفاء الذي هو نعمة الى الله جل شأنه لمراعاة حسن الأدب كما قال الخضر عليه السلام : فاردت أن أعيبها وقال : فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ولايرد اسناده الاماتة وهي أشد من المرض اليه عز و جل في قوله : والذي يميتني ثم يحيين
18
- لامكان الفرق بأن الموت قد علم واشتهر أنه قضاء محتوم من الله عز و جل على سائر البشر وحكم عام لايخص ولا كذلك المرض فكم من معافى منه الى أن يبغته الموت فالتأسي بعموم الموت يسقط أثر كونه نقمة فيسوغ الأدب نسبته اليه تعالى وأما المرض فلما كان يخص به بعض البشر دون بعض كان نقمة محققة فاقتضى العلو في الادب أن ينسبه الانسان الى نفسه باعتبار السبب الذي لايخلو منه
ويؤيد ذلك أن كل ما ذكر مع غير المرض أخبر عن وقوعه بتا وجزما لأنه أمر لابد منه واما المرض فلما كان قد يتفق وقد لا أورده مقرونا بشرط اذا فقال : وإذا مرضت وكان يمكنه أن يقول : والذي أمرض فيشفيني كما قال في غيره فما عدل عن المطابقة والمجانسة المأثورة الا لذلك قاله ابن المنير
وقال الزمخشري : إنما قال مرضت دون أمرضني لأن كثيرا من أسباب المرض يحدث بتفريط من الانسان في مطاعمه ومشاربه وغير ذلك وكأنه انما عدل في التعليل عن حسن الأدب لما رأى أنه عليه السلام أضاف الاماتة اليه عز و جل وهي أشد من المرض ولم يخطر له الفرق بما مر أو نحوه وغفل عن أن المعنى الذي ابدأه في المرض ينكسر بالموت أيضا فان المرض كما يكون بسبب تفريط

الصفحة 96