كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

خطاياي خطاياي على الجمع رب هب لي حكما لما ذكر لهم من صفاته عز و جل مما يدل على كمال لطفه تعالى به ما ذكر حمله ذلك على مناجاته تعالى ودعائه لربط العتيد وجلب المزيد والمراد بالحكم على ما اختاره الامام الحكمة التي هي كمال القوة العلمية بأن يكون عالما بالخير لأجل العمل به وقيل : الأولى أن يفسر بكمال العلم المتعلق بالذات والصفات وسائر شؤنه عز و جل وأحكامه التي يتعبد بها وقيل : هي النبوة ورد بأنها كانت حاصلة له عليه السلام فالمطلوب إما عين الحاصل وهو محال ضرورة امتناع تحصيل الحاصل أو غيره وهو محال أيضا لان الشخص الواحد لايكون نبيا مرتين وأجيب بمنع كونها حاصلة وقت الدعاء سلمنا ذلك إلا أنه لامحذور لجواز أن يكون المراد طلب كمالها ويكون بمزيد القرب والوقوف على الاسرار الالهية والأنبياء عليهم السلام متفاوتون في ذلك وجوز أن يكون المراد طلب الثبات ولا يجب على الله تعالى شيء والمراد بقوله وألحقني بالصالحين
38
- طلب كمال القوة العلمية بأن يكون موفقا لاعمال ترشحه للانتظام في زمرة الكاملين الراسخين في الصلاح المنزهين عن كبائر الذنوب وصغائرها وقدم الدعاء الأول على الثاني لأن القوة العلمية مقدمة على القوة العملية لأنه يمكن أن يعلم الحق وأن يعمل به وعكسه غير ممكن ولأن العلم صفة الروح والعمل صفة البدن فكما أن الروح أشرف من البدن كذلك العلم أشرف من العمل وقيل : المراد بالحكم الحكمة التي هي الكمال في العلم والعمل والمراد بقوله : وألحقني الخ طلب الكمال في العمل وذكره بعد ذلك تخصيص بعد تعميم اعتناء بالعمل من حيث انه النتيجة والثمرة للعلم وقيل : المراد بالاول ما يتعلق بالمعاش وبالثاني ما يتعلق بالمعاد وقيل : المراد بالحكم رياسة الخلق وبالالحاق بالصالحين التوفيق للعدل فيما بينهم مع القيام بحقوقه تعالى وقيل : المراد بهذا الجمع بينه عليه السلام وبين الصالحين في الجنة وأنت تعلم أنه لايحسن بعد هذا الدعاء طلبه أن يكون من ورثة جنة النعيم والأولى عندي أن يفسر الحكم بالحكمة بمعنى الكمال في العلم والعمل والالحاق بالصالحين بجعل منزلته كمنزلتهم عنده عز و جل والمراد بطلب ذلك أن يكون علمه وعمله مقبولين إذ مالم يقبلا لايلحق صاحبهما بالصالحين ولا تجعل منزلته كمنزلتهم وكأنه لذلك عدل عن قول : رب هب لي حكما وصلاحا أو رب هب لي حكما واجعلني من الصالحين إلى ما في النظم الكريم فتأمل ولا تغفل واجعل لي لسان صدق في االآخرين
48
- أي اجعل لنفعي ذكرا صادقا في جميع الأمم إلى يوم القيامة وحاصله خلد صيتي وذكري الجميل في الدنيا وذلك بتوفيقه للاآثار الحسنة والسنن المرضية لديه تعالى المستحسنة التي يقتدي بها الآخرين ويذكرونه بسببها بالخير وهم صادقون فاللسان مجاز عن الذكر بعلاقة السببية واللام للنفع ومنه يستفاد الوصف بالجميل وتعريف الآخرين للاستغراق والكلام مستلزم لطلب التوفيق للآثار الحسنة التي أشرنا اليها وكأنه المقصود بالطلب على أبلغ وجه ولا بأس بأن يريد تخليد ذكره بالجميل ومدحه بما كان عليه عليه السلام في زمانه ولكون الثاناء الحسن مما يدل على مجبة الله تعالى ورضائه كما ورد في الحديث يحسن طلبه من الأكابر من هذه الجهة والقصد كل القصد هو الرضا
ويحتمل أن يراد بالآخرين آخر أمة يبعث فيها نبي وأنه عليه السلام طلب الصيت الحسن والذكر الجميل فيهم ببعثه نبي فيهم يجدد أصل دينه ويدعو الناس إلى ما كان يدعوهم اليه من التوحيد معلما لهم أن ذلك ملة

الصفحة 98