كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

ابراهيم عليه السلام فكأنه طلب بعثة نبي كذلك في آخر الزمان لاتنسخ شريعته إلى يوم القيامة وليس ذلك إلا نبينا محمدا صلى الله عليه و سلم وقد طلب بعثته عليهما الصلاة والسلام بما هو أصرح مما ذكر أعني قوله : وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك الخ ولذا قال صلى الله تعالى عليه وسلم : أنا دعوة ابراهيم عليه السلام
وقيل إدا أريد ذلك فلابد من تقدير مضاف في كلامه عليه السلام أي أجعل لي صاحب لسان صدق في الآخرين أو جعل اللسان مجازا عن الداعي باطلاق الجزء على الكل لأن الدعوة باللسان فكأنه قال : اجعل لي داعيا إلى الحق صادقا في الآخرين ولايخفى أن فيما ذكرناه غني عن ذلك كله وفي تعليقات شيخ مشايخنا العلامة صبغة الله الحيدري طاب ثراه على تفسير البيضاوي في هذه الآية كلام ناشيء من قلة امعان النظر فلا تغتر به
واستدل الامام مالك بهذه الآية على أنه لابأس أن يحب الرجل أن يثنى عليه صالحا وفائدة ذلك بعد الموت على ما قاله بعض الآجلة انصراف الهمم الي ما به يحصل له عند الله تعالى زلفى وأنه قد يصير سببا لاكتساب المثنى أو غيره نحو ما أثنى به فيثاب فيشاركه فيه المثنى عليه كما هو مقتضى من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ولا يخفى عليك أن الأمور بمقاصدها واجعلني في الآخرة من ورثة جنة النعيم
58
- قد مر معنى وراثة الجنة فتذكر واستدل بدعائه عليه السلام بهذا بعدما تقدم منالادعية على أن العمل الصالح لايوجب دخول الجنة وكذا كون العبد ذا منزلة عند الله عز و جل والا لاستغنى عليه السلام بطلب الكمال في العلم والعمل وكذا بطلب الالحاق بالصالحين ذوي الزلفى عنده تعالى عن طلب ذلك وأنت تعلم أنه تحسن الاطالة في مقام الابتهال ولا يستغني بملزوم عن لازم في المقال فالأولى الاستدلال على ذلك بغير ما ذكر وهو كثير مشتهر هذا وفي بعض اةثار ما يدل على مزيد فضل هذه الأدعية
أخرج ابن أبي الدنيا في الذكر وابن مردويه من طريق الحسن عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا توضأ العبد لصلاة مكتوبة فأسبغ الوضوء ثم خرج من باب داره يريد المسجد فقال حين يخرج بسم الله الذي خلقني فهو يهدين هداه الله تعالى للصواب ولفظ ابن مردويه م لصواب الأعمال والذي هو يطعمني ويسقين أطعمه الله تعالى من طعام الجنة وسقاه من شراب الجنة وإذا مرضت فهو يشفين شفاه الله تعالى وجعل مرضه كفارة لذنوبه والذي يميتني ويحيين أحياه الله تعالى حياة السعداء وأماته ميتة الشهداء والذي اطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين غفر الله تعالى له خطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر رب هب لي حكما والحقني بالصالحين وهب الله تعالى له حكما وألحقه بصالح من مضى وصالح من بقي واجعل لي لسان صدق في الآخرين كتب في ورقة بيضاء أن فلان بن فلان من الصادقين ثم يوفقه الله تعالى بعد ذلك للصدق واجعلني من ورثة جنة النعيم جعل الله تعالى له القصور والمنازل في الجنة وكان الحسن رضي الله تعالى عنه يزيد فيه واغفر لوالدي كما ربياني صغيرا وكأنه أخذ من قوله واغفر لأبي قال ابن عباس كما أخرج عنه ابن أبي حاتم أي امنن عليه بتوبة يستحق بها مغفرتك وحاصله وفقه للايمان كما يلوح به تعليله بقوله انه كان من الضالين
68
- وهذا ظاهر إذا كان هذا الدعاء قبل موته وإن كان بعد الموت فالدعاء بالمغفرة على ظأهره وجاز الدعاء بها لمشرك والله تعالى لايغفر أن يشرك به لأنه لم يوح اليه عليه السلام بذلك إذ ذاك والعقل لايحكم بالامتناع وفي شرح مسلم للنووي

الصفحة 99