كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

نعم لايكفر قائل ذلك بذلك القصد ويلزمه التعزير كيلا يعود إلى قوله ثم إن علم غير الغيب من المحسوسات والمعقولات وإن كان لايثبت لشيء من الممكنات بلا واسطة في الثبوت أيضا إلا أنه في نسبته عمن سواه جل وعلا بل صرح في مواضع أكثر من ان تحصى بنسبته إلى غيره سبحانه ولو ورد فيه ما ورد في علم الغيب لا التزم فيه ما التزم فيه وعلى ما تقرر لايكون علم العقول بما لم يكن بعد من الحوادث على ما يزعمه الفلاسفة من علم الغيب بل هو لو سلم علم حصل من الفياض المطلق جل شأنه بطريق من الطرق التي تقتضيها الحكمة فلا ينبغي أن يقال فيهم : إنهم عالمون بالغيب وقائله إا كافر أو مسلم آثم وكذا يقال في علم بعض المرتاضين من المسلمين الصوفية والكفرة الجوكية فان كل ما يحصل لهم من ذلك فانما هو بطريق الفيض ومراتبه وأحواله لاتحصى والتأهل له قد يكون فطريا وقد يكون كسبيا وطرق اكتسابه متشعبة لا تكاد تستقصى وإفاضة ذلك على كفرة المرتاضين وإن أشبهت إفاضته على المؤمنين المتقين إلا أن بين الأمرين فرقا عظيما عند المحققين وقد ذ : ربعض المتصوفة أنه ما من حق إلا وقد جعل له باطل يشبهه لأن الدار دار فتنة وأكثر ما فيها محنة ويلحق بعلم المرتاضين من الجوكية علم بعض المتصوفة المنسوبين إلى الإسلام المهملين أكثر أحكامه الواجبة عليهم المنهمكين في ارتكاب المحظورات في نهارهم وليلهم فلا ينبغي اعتقاد أن ذلك كرامة بل هو نقمة إلى حسرة وندامة وأما علم النجومي بالحوادث الكونية حسبما يزعمه فليس من هذا القبيل لأن تلك الحوادث التي يخبر بها ليست من الغيب بالمعنى الذي ذكرناه إد هي وإن كانت غائبة إلا أنها على زعمه مما نصب لها قرينة من الاوضاع الفلكية والنسب النجومية من الاقتران والتثليث والتسديس والمقابلة ونحو ذلك وعلمه بدلالة القرائن التي يزعمها ناشيء من التجربة وما تقتضيه طبائع النجوم والبروج التي دل عليها بزعمه اختلاف الآثار في عالم الكون والفساد فلا أرى العلم بها إلا كعلم الطبيب الحاذق إذا رأى صفراويا مثلا علم رتبة مزاجه وحققها يأكل مقدارا معينا من العسل أن يعتريه بعد ساعة أو ساعتين كذا وكذأ من الألم وإطلاق علم الغيب على ذلك فيه ما فيه وإن أبيت إلا تسمية ذلك غيبا فالعلم به لكونه بواسطة الاسباب كعلمنا بالله تعالى وصفاته العلية وعلمنا بالجنة والنار ونحو ذلك على أنك إدا انصفت تعلم أن ما عند النجومي ونحوه ليس علما حقيقيا وإنما هو ظن وتخمين مبني على ما هو أوهن من بيت العنكبوت كما سنحقق ذلك بما لامزيد عليه في محله اللائق به إنشاء الله تعالى
وأقوى ما عنده معرفة زمني الكسوف والخسوف وأزمنة تحقق النسب المخصوصة بين الكواكب وهي ناشئة من معرفة مقادير الحركات للكواكب والافلاك الكلية والجزئية وهي أمور محسوسة تدرك بالارضاد والآلات المعمولة لذلك وبالجملة علم الغيب بلا واسطة لا أو بعضا مخصوص بالله جل وعلا لايعلمه أحد من الخلق أصلا ومتى اعتبر فيه نفي الواسطة بالكلية تعين أن يكون من مقتضيات الذات فلا يتحقق فيه تفاوت بين غيب وغيب فلا بأس بحمل أل في الغيب على الجنس ومتى حملت على الاستغراق فاللائق أن لايعتبر في الآية سلب العموم بل يعتبر عموم السلب ويلتزم أن القاعدة أغلبية وكذا يقال في السلب والعموم في جانب الفاعل فتأمل فهذأ ما عندي ولعل ما عندك خير منه والله تعالى أعلم

الصفحة 12