كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

وهو لم يتصف بصفتهم وأن جواب الرسل المحكي بقوله تعالى : قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله تسليم لقوله عليه السلام في لوط مع ادعاء مزيد العلم به باعتبار الكيفية وأنهم ما كانوا غافلين عنه وجواب عنه بتخصيص الاهل بمن عداه وأهله على الاعتراض أو بيان وقت اهلاكهم بوقت لا يكون لوط وأهله بين ظهرانيهم على المعارضة وفيه ما يدل على جواز تأخير البيان عن الخطاب في الجملة والذي يغلب على الظن أنهم أرادوا بأهل القرية من نشأ بها على ما هو المتعارف فلا يكون لوط عليه السلام داخلا في الأهل ويؤيد ذلك تأييدا ما قول قومه أخرجوا آل لوط من قريتكم وفهم ابراهيم عليه السلام ما أرادوه وعلم أن لوطا ليس من المهلكين إلا أنه خشي أن يكون هلاك قومه وهو بين ظهرانيهم في القرية فيوحشه ذلك ويفزعه
ولعله عليه السلام غلب على ظنه ذلك حيث لم يتعرضوا لاخراجه من قرية المهلكين مع علمهم بقرابته منه ومزيد شفقته عليه فقال : إن فيها لوطا على سبيل التحزن والتفجع كما في قوله تعالى : إني وضعتها أنثى وجل قصده إن لا يكون حين الاهلاك فأخبروه أولا بمزيد علمهم به وافاوده ثانيا بما يسره ويسكن جأشه نظير ما في قوله تعالى : والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثى وأكدوا الوعد بالتنجية إا للاشارة إلى مزيد اعتنائهم بشأنه وإما لتنزيلهم إبراهيم عليه السلام منزلة ينكر تنجيته لما شاهدوا منه في حقه وتحمل التنجية على إخراجه من بين القوم وفصله عنهم وحفظه مما يصيبهم فانها بهذا المعنى الفرد الأكمل ويلائم هذا ما قيل في قوله تعالى : إلا امرأته كانت من الغابرين
23
- أي من الباقين في القرية وهو أحد تفسيرين وثانيهما ما روي عن قتادة وهو تفسيره الغابرين بالباقين في العذاب فتأمل فكلام الله تعالى ذو وجوه وفسر الأهل هنا بأتباع لوط عليهه السلام المؤمنين وجملة كانت من الغابرين مستأنفة وقد مر الكلام في ذلك وكذا في الاستثناء فارجع اليه ولما أن جاءت رسلنا المذكورون بعد مفارقتهم ابراهيم عليه السلام لوطا سيء بهم أي اعتراه المساءة والغم بسبب الرسل مخافة أن يتعرض لهم قومه بسوء كما هو عادتهم مع الغرباء وقد جاؤا اليه عليه السلام بصورة حسنة إنسانية
وقيل : ضمير بهم 9 للقوم أي سيء بقومه لما علم من عظيم البلاء النازل بهم وكذأ ضمير بهم الآتي وليس بشيء و أن مزيدة لتأكيد الكلام التي زيدت فيه فتؤكد الفعلين واتصالهما المستفاد من لما حتى كأنهما وجدا في جزء واحد من الزمان فكأنه قيل : لما أحس بمجيئهم فاجاته المساءة من غير ريث
وضاق بهم ذرعا أي وضاق بشأنهم وتدبير أمرهم ذرعه أي طاقته كقولهم : ضاقت يده ويقابله رجب ذرعه بكذا إذا كان مطيقا له قادرا عليه وذلك أن طويل الذراع ينال ما يناله قصير الذراع
وقالوا لا تخف ولا تحزن عطف على سيء وجوز أن يكون عطفا على مقدر أي قالوا : إنا رسل ربك وقالو الخ وأيا ما كان فالقول كان بعد أن شاهدوا فيه مخايل التضجر من جهتهم وعاينوا أنه عليه قد عجز عن مدافعة قومه حتى آلت به الحال الى أن قال : لولا أن لي بكم قوة أو آوي ال ركن شديد والخوف للمتوقع والحزن للواقع في الأكثر وعليه فالمعنى لا تخف من تمكنهم منا ولا تحزن على قصدهم إيانا وعدم اكتراثهم بك ونهيهم عن الخوف من التمكن إن كان قبل اعلامهم إياه أنهم رسل الله تعالى فظاهر وإن كان بعد الاعلام فهو لتأنيسه وتأكيد ما أخبروه به

الصفحة 155