كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

كانت تعمل الخبائث والجنة منزهة عنها وتعقب هذا الحموي بأنه لا يلزم من كون الشيء خبيثا في الدنيا أن لا يكون له وجود في الجنة ألا ترى أن الخمر أم الخبائث في الدنيا ولها وجود في الجنة وفيه بحث لأن خبث الخمر في الدنيا لازالتها العقل الذي هو عقال عن كل قبح وهذا الوصف لا يبقى لها في الجنة ولا كذلك اللواطة وفي الفتوحات المكية في صفة أهل الجنة أنهم لا أدبار لهم لأن الدبر إنما خلق في الدنيا لخروج الغائط وليست الجنة محلا للقاذورات وعليه فعدم وجودها في الجنة ظاهر ولا أظن ذا غيرة صادقة تسمح نفسه أن يلاط به في الجنة سرا أو علنا وجواز وقوعها فيها قد ينجر إلى أن تسمح نفسه بذلك أو يجيز عليه ذلك إذا اشتهى أحد أن يلوط به إذ لابد من حصول ما يشتهيه وهذا وإن لم يكن قطعيا في عدم وقوع اللواطة مطلقا في الجنة إلا أنه يقوي القول بعدم الوقوع فتأمل وإلى مدين متعلق بارسلنا مقدر معطوف على أرسلنا في قصة نوح أو وأرسلنا إلى مدين أخاهم شعيبا فقال لهم ياقوم اعبدوا الله وحده وارجوا اليوم الآخر أي توقعوه وما سيقع فيه من فنون الأهوال وافعلوا اليوم من الاعمال ما تأمنون بع غائلته أو الأمر بالرجاء أمر بفعل ما يترتب عليه الرجاء إقامة المسبب مقام السبب وفي الكلام مضاف مقدر فالمعنى افعلوا ما ترجون به ثواب اليوم الآخر وجوز أن لا يقدر مضاف وإرادة الثواب من إطلاق الزمان على ما فيه وقيل : برجاء الثواب أمر بسببه اقتضاء بلا تجوز فيه بعلاقة السببية
وقال أبو عبيدة : الرجاء هنا بمعنى الخوف والمعنى وخافوا جزاء اليوم الآخر من انتقام الله تعالى منكم إن لم تعبدوه ولا تعثوا في الأرض مفسدين
63
- حال مؤكدة لأن العثو الفساد فكذبوه فيما تضمنه كلامه من أنهم إن لم يمتثلوا أمره ونهيه وقع بهم العذاب واليه ذهب أبو حيان وقيل : من أنه تعالى مستحق لأن يعبد وحده سبحانه وأن اليوم الآخر متحقق الوقوع أو نحو ذلك فأخذتهم بسبب تكذيبهم إياه الرجفة أي الزلزلة الشديدة وفي سورة هود وأخذت الدين ظلموا الصيحة أي صيحة جبريل عليه السلام فانها الموجبة للرجفة بسبب تمويجها للهواء وما يجاورها من الأرض وفسر مجاهد الرجفة هنا الصيحة فقال : لذلك وقيل : لأنها رجفت منها القلوب فأصبحوا في دارهم أي بلدهم فان الدار تطلق على البلد ولذا قيل : للمدينة دار الهجرة أو المراد مساكنهم وأقيم فيه الواحد مقام الجمع لأمن اللبس لأنهم لا يكونون في دار واحدة ولعل فيه إشارة إلى أن الرجفة خربت مساكنهم وهدمت ما بينها من الجدران فصارت كمسكن واحدة جاثمين أي باركين على الركب والمراد ميتين على روي عن قتادة
وفي مفردات الراغب هو استعارة للمقيمين من قولهم : جثم الطائر إذا قعد ولطيء بالأرض ويرجع هذأ إلى ميتين أيضا وعادا وثمودمنصوبان باضمار فعل ينبيء عنه ما قبله من قوله تعالى : فأخذتهم الرجفة أي واهلكنا عادا وثمود وقوله تعالى : وقد تبين لكم من مساكنهم عطف على ذلك المضمر أي وقد ظهر لكم أتم ظهور إهلاكنا إياهم من جهة مساكنهم أو بسببها وفي ذلك بالنظر اليها عند اجتيازكم بها ذهابا إلى الشام وإيابا منه وجوز كون من تبعيضية وقيل : هما منصوبان باضمار اذكروا أي واذكروا عادا وثمود

الصفحة 157