كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

والمرادوالمراد ذكر قصتهما أو بضمار اذكر خطابا له صلى الله تعالى عليه وسلم وجملة قد تبين حيالية وقيل : هي بتقدير القول أي وقل : قد تبين وجوز أن تكون معطوفة على جملة واقعة في حيز القول أي أذكر عادا وثمود قائلا قد مررتم على مساكنهم وقد تبين لكم الخ وفاعل تبين الاهلاك الدال عليه الكلام أو مساكنهم على أن من زائدة في الواجب ويؤيده قراءة الاعمش مساكنهم بالرفع من غير من وكون من هي الفاعل على أنها اسم بمعنى بعض مما لا يخفى حاله
وقيل هما منصوبان بالعطف على الضمير في فاخذتهم الرجفة والمعنى يأباه وقال الكسائي : منصوبان بالعطف على الذين من قوله تعالى : ولقد فتنا الذين من قبلهم وهو كما ترى والزمخشري لم يذكر في ناصبهما سوى ما ذكرناه أولا وهو الذي ينبغي أن يعول عليه وقرأ أكثر السبعة وثمودا بالتنوين بتأويل الحي وهو على قراءة ترك التنوين بتأويل القبيلة وقرأ ابن وثاب وعاد وثمود بالخفض فيهما والتنوين عطفا على مدين على ما في البحر أي وأرسلنا إلى عاد وثمود وزين لهم الشيطان بوسوسته واغوائه أعمالهم القبيحة من الكفر والمعاصي فصدهم عن السبيل أي الطريق المعهود وهو السوي الموصل إلى الحق وحمله على الاستغراق حصرا له في الموصل إلى النجاة تكلف وكانوا أي عاد وثمود لا أهل مكة كما توهم : مستبصرين أي عقلاء يمكنهم التمييز بين الحق والباطل بالاستدلال والنظر ولكنهم أغفلوا ولم يتدبروا وقيل : عقلاء يعلمون الحق ولكنهم كفروا عنادا وجحودا وقيل : متبينين أن العذاب لا حق بهم باخبار الرسل عليهم السلام لهم ولكنهم لجوا حتى لقوا ما لقوا
وعن قتادة والكلبي كما في مجمع البيان أن المعنى كانوا مستبصرين عند أنفسهم فيما كانوا عليه من الضلالة يحسبون أنهم على هدى وأخرج ابن المنذر وجماعة عن قتادة أنه قال : اي معجبين بضلالتهم وهو تفسير بحاصل ما ذكر وهو مروي كما في البحر عن ابن عباس ومجاهد والضحاك والجملة في موضع الحال بتقدير قد أو بدونها وقارون وفرون وهامان معطوف على عادا وتقديم قارون لأن المقصود تسلية النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فيما لقي من قومه لحسدهم له وقارون كان من قوم موسى عليه السلام وقد لقي منه ما لقي أو لأن حاله أوفق بحال ثمود فانه كان من أبصر الناس وأعلمهم بالتوراة ولم يفده الاستبصار شيئا كما لم يفدهم كونهم مستبصرين شيئا أو لأن هلاكه كان قبل هلاك فرعون وهامان فتقديمه على وفق الواقع أو لأنه أشرف من فرعون وهامان لايمانه في الظاهر وعلمه بالتوراة وكونه ذا قرابة من موسى عليه السلام ويكون في تقديمه لذلك في مقام الغضب إشارة إلى أن نحو هذا الشرف لا يفيد شيئا ولا ينقذ من غضب الله تعالى على الكفر ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا عن الايمان والطاعة في الأرض إشارة إلى قلة عقولهم لأن من في الأرض لا ينبغي له أن يستكبر
وما كنوا سابقين
93
- أي فائتين أمر الله تعالى من قولهم : سبق طالبه أي فاته ولم يدركه ولقد أدركهم أمره تعالى أي إدراك فتداركوا نحو الدمار والهلاك وقال أبو حيان : المعنى وما كانوا سابقين الأمم إلى الكفر أي تلك عادة الأمم مع رسلهم عليهم السلام وليس بذاك وأيا ما كان فالظاهر أن ضمير كانوا لقارون

الصفحة 158