كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

وفرعون وهامان وقيل : الجملة عطف على أهلكنا المقدر سابقا وضمير كانوا لجميع المهلكين وفيه تبر للنظم الجليل فكلا أخذنا بذنبه هذا وما بعده كالفذلكة للآيات المتضمنة تعذيب من كفر ولم يمتثل أمر من أرسل اليه وقال أبو السعود : هذا تفسير لما ينبيء عنه عدم سبقهم بطريق الابهام وما بعده تفصيل للأخذ وفي القلب منه شيء وكأنه اعتبر رجوع ضمير كانوا إلى المهلكين وقد علمت حاله وتقديم المفعول للاهتمام بأمر الاستيعاب والاستغراق وقال الفاضل : المذكور للحصر أي كل واحد من المذكورين عاقبناه بجنايته لا بعضا دون بعض وبحث فيه بأن كلا متكفلة بهذا المعنى قدمت أو أخرت وأجيب بأنا لا نسلم أنه يفهم منها لا بعضا إذا أخرت وإنما يفهم منها بواسطة التقديم فتأمل والكلام في مرجع الضمير بذنبه سؤالا وجوابا لا يخفى على من أحاط علما بما قيل في قولهم : كل رجل وضيعته وقولهم : الترتيب جعل كل شيء في مرتبته وهو شهير بين الطلبة فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا أي ريحا عاصفا فيها حصباء وقيل : ملكا رماهم بالحصباء وهم قوم لوط
وقال ابن عطية : يشبه أن يدخل عاد في ذلك لأن ما أهلكوا به من الريح كانت شديدة وهي لا تخلوا عن الحصب بأمور مؤذية والحاصب هو العارض من ريح أو سحاب إذا رمى بشيء ومنهم من أخذته الصيحة هم مدين وثمود ولم يقل أخذناه بالصيحة ليوافق ما قبله وما بعده في اسناد الفعل اليه تعالى الأوفق بقوله تعالى : فكلا أخذنا بذنبه دفعا لتوهم أن يكون سبحانه هو الصائح ومنهم من خسفنا به الأرض وهو قارون ومنهم من أغرقنا وهو فرعون ومن معه وذكر بعضهم قوم نوح عليه السلام أيضا واعترض بأنهم ليسوا من المذكورين وتعقب بأنهم أول المذكورين في هذه السورة من الأمم السالفة ولعل المعترض أراد بالمذكورين المذكورين متناسقين أي بلا فصل بأمة لم تفد قصتها أهلاكها وقوم نوح وإن ذكروا أولا لكن فصل بينهم وبين نظائرهم من المهلكين بقصة قوم ابراهيم عليه السلام وهي لم تفد أنهم أهلكوا وذكر النيسابوري أنه سبحانه قرر بقوله تعالى : فكلا الخ أمر المذنبين باجمال آخر يفيد أنهم عذبوا بالعناصر الاربعة فجعل ما منه تركيبهم سببا لعدمهم وما منه بقاؤهم سببا لفنائهم فالحصب وهو حجارة محماة تقع على كل واحد منهم فتنفذ من الجانب الآخر اشارة إلى التعذيب بعنصر النار والصيحة وهي تموج شديد في الهواء اشارة إلى التعذيب بعنصر الهواء والخسف اشارة إلى التعذيب بعنصر التراب والغرق اشارة إلى التعذيب بعنصر الماء اه ولا يخفى ما فيه وما كان الله ليظلمهم أي ما كان سبحانه مريدا لظلمهم وذلك بأن يعاقبهم من غير جرم لأن خلاف ما تقتضيه الحكمة وفي أنوار التنزيل أي ما كان سبحانه ليعاملهم معاملة الظالم فيعاقبهم بغير جرم إذ ليس ذلك من سنته عز و جل ويفيد ذلك أنه لو وقع منه تعالى تعذيبهم من غير جرم لا يكون ظلما لأنه تعالى مالك الملك يتصرف به كما يشاء فله أن يثيب العاصي ويعذب المطيع وهذا أمر مشهور بين الاشاعرة والكلام في تحقيقه يطلب من علم الكلام وقد أسلفنا في تفسير قوله تعالى : لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ما ينفعك في هذا المقام تذكره فتذكر ولكن كانوا أنفسهم يظلمون
4
- بالاستمرار على مباشرة ما يوجب ذلك من الكفر والمعاصي باختيارهم وقال مولانا الشيخ ابراهيم الكوراني ما حاصله : إن ظلم الكفرة أنفسهم

الصفحة 159