كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

فيما دعوهم اليه من الايمان بالله عز و جل وحده وباليوم الآخر الذي تنكرونه فان في مشاهدة عاقبتهم ما فيه كفاية لأولي الأبصار وفي التعبير عن المكذبين بالمجرمين الأعم منه بحسب المفهوم لطف بالمؤمنين في ترك الجرائم لما فيه من إرشادهم إلى أن الجرم مطلقا مبغوض لله عز و جل ولاتحزن عليهم لأصرارهم على الكفر والتكذيب ولا تك في ضيق أي في حرج صدر مما يمكرون
7
- أي من مكرهم فان الله يعصمك من الناس
وقرأ ابن كثير ضيق بكسر الضاد وهو مصدر أيضا وجوز أن يكون مفتوح الضاد مخففا من ضيق وقد قريء كذلك أي لاتكن في أمر ضيق وكره أبو علي ذلك مخففا مما ذكر يقتضي حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه وليس من الصفات التي تقوم مقام الموصوف باطراد وفيه بحث
ويقولون متى هذا الوعد أي العذاب العاجل الموعود وكأنهم فهموا وعدهم بالعذاب من الأمر بالسير والنظر في عاقبة أمثالهم المكذبين ويعلم منه وجه للتعبير بيقولون وعدم إجرائه على سنن ما قبله أعني وقال الذين كفروا وسؤالهم عن وقت إتيان هذا العذاب على سبيل الاستهزاء والانكار ولذا قالوا : إن كنتم صدقين
17
- عانين إن كنتم صادقين في إخباركم باتيانه فبينوا لنا وقته والجمع باعتبار شركة المؤمنين في الاخبار بذلك قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون
27
- أصل معنى ردف تبع والمراد به هنا لحق ووصل وهو مما يتعدى بنفسه وباللام كنصح
وقيل : اللام مزيدة لتأكيد وصول الفعل إلى المفعول به كما زيدت الباء لذلك في قوله تعالى : ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وقيل : إن اللام لتضمين ردف معنى دنا وهو يتعدى باللام كما يتعدى بمن وإلى كما في الأساس ولتضمينه ذلك عدي بمن في قوله : فلما ردفنا من عمير وصحبه تولوا سراعا والمنية تعنق وقيل : اللام داخلة على المفعول لأجله والمفعول به الذي يتعدى اليه الفعل بنفسه محذوف أي ردف الخلق لأجلكم ولايخفى ضعفه وقيل : إن الكلام تم عند ردف على أن فاعله ضمير يعود على الوعد ثم استأنف بقوله تعالى : لكم بعض الذي تستعجولن على أن بعض مبتدأ و لكم متعلق بمحذوف وقع خبرا له ولايخفى ما فيه من التفكيك للكلام والخروج عن الظاهر لغير داع لفظي ولا معنوي والمعنى قل عسى أن يكون لحقكم ووصل اليكم بعض الذي تستعجلون حلوله وتطلبونه وقتا فوقتا والمراد بهذا البعض عذاب يوم بدر وقيل : عذاب القبر بذاك ونسبة استعجال ذلك اليهم بناءا على ما يقتضيه ما هم عليه من التكذيب والاستهزاء وإلا فلا استعجال منهم حقيقة والترجي المفهوم من عسى قيل : راجع الى العباد
وقال الزمخشري : إن عسى ولعل وسوف في وعد الملوك ووعيدهم تدل على صدق الأمر وجده وما لامجال بعده وإنما يعنون بذلك إظهار وقارهم وأنهم لايعجلون بالانتقام لادلالهم بقهرهم وغلبتهم ووثوقهم بأن عدوهم لايفوتهم وأن الرمزة إلى الاغراض كافية من جهتهم فعلى ذلك جرى وعد الله تعالى ووعيده سبحانه انتهى

الصفحة 16