كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

إنماإنما هو لسوء استعدادهم الذي هم عليه في نفس الامر من غير مدخل للجعل فيه وبلسان ذلك الاستعداد طلبوا من الجواد المطلق جل وعلا ما صار سببا لظهور شقائهم اه والبحث في ذلك طويل الذيل فليطلب من محله وتقديم المعمول لرعاية رءوس الآي مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء استئناف متضمن تقبيح حال اولئك المهلكين الظالمين لأنفسهم وأضرابهم ممن تولى غير الله عز و جل وفيه اشارة الى أعظم أنواع ظلمهم فالمراد بالموصول جميع المشركين الذين عبدوا من دون الله عز و جل الاوثان
وجوز أن يكون جميع من اتخذ غيره تعالى متكلا ومعتمدا آلهة كان ذلك أو غيرها ولذا عدل إلى أولياء من آلهة أي صفتهم أو شبههم كمثل العنكبوت أي كصفتها أو شبهها
إتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت بيان لصفة العنكبوت التي يدور عليها أمر التشبيه والجملة على ما نقل عن الاخفش من لزوم الوقف على العنكبوت مستأنفة لذلك وإن أوهن البيوت الخ في موضع الحال من فاعل اتخذت المستكن فيه وجوز كونه في موضع الحال من مفعوله بناء على جواز مجيء الحال من النكرة وعلى الوجهين وضع المظهر موضع الضمير الراجع الى ذي الحال والجملة من تتمة الوصف واللام في البيوت للاستغراق والمعنى مثل المتخذين لهم من دون الله تعالى أولياء في اتخاذهم اياهم كمثل العنكبوت وذلك أنها اتخذت لها بيتا والحال أن أوهن كل البيوت وأضعفها بيتها وهؤلاء اتخذوا لهم من دون الله تعالى أولياء والحال أن أوهن كل الأولياء وأضعفها أولياؤهم وإن شئت فقل : إنها اتخذت بيتا في غاية الضعف وهؤلاء أتخذوا الها أو متكلا في غاية الضعف فهم مشتركان في اتخاذ ما هو في غاية الضعف في بابه ويجوز ان تكون جملة اتخذت حالا من العنكبوت بتقدير قد أو بدونها أو صفة لها لأن أل فيه للجنس وقد جوزوا الوجهين في الجمل الواقعة بعد المعرف بأل الجنسية نحو قوله تعالى : كمثل الحمار يحمل أسفارا وعن الفراء ان الجملة صلة لموصول محذوف وقع صفة العنكبوت أي التي اتخذت وخرج الآية التي ذكرناها على هذا واختار حذف الموصول في مثله ابن درستويع وعليه لا يوقف على العنكبوت وانت تعلم أن كون الجملة صفة أظهر والمعنى حينئذ مثل المشرك الذي عبد الوثن بالقياس الى الموحد الذي عبد الله تعالى كمثل عنكبوت اتخذت بيتا بالاضافة إلى رجل بنى بيتا بآجر وجص أو نحته من صخر وكما أن أوهن البيوت إذا اسقريتها بيتا بيتا بيت العنكبوت كذلك أضعف الأديان إذا استقريتها دنيا دينا عبادة الاوثان وهو وجه حسن ذكره الزمخشري في الآية وقد اعتبر فيه تفريق التشبيه والغرض إبراز تفاوت المتخذين والمتخذ مع تصوير توهيم أمر أحدهما وادماج توطيد الآخر وعليه يجوز أن يكون قوله تعالى : وإن أوهن البيوت جملة حالية لأنه من تتمة التشبيه وإن يكون اعتراضية لأنه لو لم يؤت به لكان في ضمنه ما يرشد الى هذا المعنى وإلى كونه جملة حالية ذهب الطيبي
وقال صاحب الكشف : كلام الزمخشري إلى كونه اعتراضية أقرب لأن قوله : وكما أن أوهن البيوت الخ ليس فيه إيماء إلى تقييد الأول وتعقب أبو حيان هذا الوجه بأنه لا يدل عليه لفظ الآية وإنما هو تحميل اللفظ ما يحتمله كعادته في كثير من تفسيره وهذه مجازفة على صاحب الكشاف كما لا يخفى ويجوز أن يكون المعنى مثل الذين اتخذؤا من دون الله أولياء فيما اتخذوه معتمدا ومتكلا في دينهم وتولوه من دون

الصفحة 160