كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

الله تعالى كمثل العنكبوت فيما نسجته واتخذته بيتا والتشبيه على هذا من المركب فيعتبر في جانب المشبه اتخاذ ومتخذ واتكال عليه وكذلك في الجانب الآخر ما يناسبه ويعتبر تشبيه الهيئة المنتزعة من ذلك كله بالهيئة المنتزعة من هذأ بالاسر والغرض تقرير وهن أمر دينهم وأنه بلغ الغاية التي لا غاية بعدها ومدار قطب التشبيه أن أولياءهم بمنزلة منسوج العنكبوت ضعف حال وعدم صلوح اعتمادا وعلى هذا يكون قوله تعالى : إن اوهن البيوت تذييلا يقرر الغرض من التشبيه
وجوز أن يكون المعنى والغرض من التشبيه ما سمعت إلا أنه يجعل التذييل استعارة تمثيلية ويكون ما تقدم كالتوطئة لها فكأنه قيل : وإن أوهن ما يعتمد عليه في الدين عبادة الأوثان وهي تقرر الغرض من التشبيه بتبعية تقرير المشبه وكأن التقرير في الوجه السابق بتبعية تقرير المشبه به وهذا قريب من تجريد الاستعارة وترشيحها ونظير ذلك قولك : زيد في الكرم بحر والبحر لا يخيب من أتاه إذا كان البحر الثاني مستعارا للكريم وذكر الطرفين إنما يمنع من كونه استعارة لو كان في جملته ورجح السابق لأن عادة البلغاء تقرير أمر المشبه به ليدل به على تقرير المشبه ولأن هذا إنما يتميز عن الالغاز بعد سبق التشبيه
وجوز أن يكون قوله تعالى : مثل الذين الخ كالمقدمة الأولى وقوله سبحانه : وإن أوهن البيوت كالثانية وما هو كالنتيجة محذوف مدلول عليه بما بعد كما في الكشف والمجموع يدل على المراد من تقرير وهن أمر دينهم وأنه بلغ الغاية التي لا غاية بعدها على سبيل الكناية الايمائية فتأمل والظاهر أن المراد بالعنكبوت النوع الذي ينسج بيته في الهواء ويصيد به الذباب من ذوات السموم فيسن قتلها لذلك لا لما اخرج أبو داود في مراسيله عن يزيد بن مرثد من قوله صلى الله عليه و سلم : العنكبوت شيطان مسخها الله تعالى فمن وجدها فليقتلها فانه كما ذكر الدميري ضعيف
وقيل : لا يسن قتلها فقد أخرج الخطيب عن علي كرم الله تعالى وجهه قال : قال رسول لاله صلى الله عليه و سلم دخلت أنا وأبو بكر الغار فاجتمعت العنكبوت فنسجت بالباب فلا تقتلوهن ذكر هذا الخبر الجلال السيوطي في الدر المنثور والله تعالى أعلم بصحته وكونه مما يصلح للاحتجاج به ونصوا على طهارة بيتها لعدم تحقق كون ما تنسج به من غذائها المستحيل في جوفها مع أن الأصل في الاشياء الطهارة وذكر الدميري أن ذلك لا تخرجه من جوفها لبل من خارج جلدها وفي هذا بعد وأنا لم اتحقق أمر ذلك ولم أعين كونه من فمها او دبرها أو خارج جلدها لعدم الاعتناء بشأن ذلك لا لعدم امكان الوقوف على الحقيقة وذكر أنه يحسن ازالة بيتها من البيوت لما اسند الثعلبي وابن عطية وغيرهما عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال : طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فان تركه في البيوت يورث الفقر وهذا إن صح عن الامام علي كرم الله تعالى وجهه فذاك وإلا فحسن الازالة لما فيها من النظافة ولا شك بندبها والتاء في العنكبوت زائدة كتاء طالوت فوزنه فعللوت وهو يقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث ومن استعماله مذكره قوله : على هطالهم منهم بيوت كأن العنكبوت هو ابتناها واستظهر الفاضل سعدي جلبي كون المراد به هنا الواحد وذهب إلى تأنيثه أيضا فذكر أنه اختير هنا

الصفحة 161