كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

وعليه ففي الكلام استعارة تمثيلية ولا يخفى حسن ذلك وإيثار ما عليه النظم الكريم على أن يقال : عسى أن يردفكم الخ لكونه أدل على تحقق الوعد وقرأ ابن هرمز ردف بفتح الدال وهو لغة فيه
وإن ربك لذو فضل على الناس أي لذو إفضال وإنعام كثير على كافة الناس ومن جملة إفضاله عز و جل وإنعامه تعالى تأخير عقوبة هؤلاء على ما يرتكبونه من المعاصي ولكن أكثرهم لايشكرون
37
- أي لايشكرونه جل وعلا على أفضاله سبحانه عليهم ومنهم هؤلاء وقيل : لايعرفون حق فضله تعالى عليهم تعبيرا عن انتفاء معرفتهم ذلك بانتفاء ما يترتب عليها من الشكر وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهمأي ما تخفيه من الاسرار التي من جملتها عداوتك وما يعلنون
47
- أي وما يظهرونه من الأقوال والافعال التي من جملتها ماحكي عنهم فليس تأخير عقوبتهم لخفاء حالهم عليه سبحانه أو فيجازيهم على ذلك وفعل القلب إذا كان مثل الحب والبغض والتصديق والتكذيب والعزم المصمم على طاعة أو معصية فهو مما يجازى عليه وفي الآية إيذان بأن لهم قبائح غير ما حكي عنهم وتقديم الاكتنان ليظهر المراد من استواء الخفي والظاهر في علمه جل وعلا أو لأن مضمرات الصدور سبب لما يظهر على الجوارح وإلى الرمز إلى فساد صدورهم التي هي المبدأ لسائر أفعالهم أوثر ما عليه النظم الكريم على أن يقال : وإن ربك ليعلم ما يكنون وما يعلنون
وقرأ ابن محيصن وحميد وابن السميقع تكن بفتح التاء وضم الكاف من كن الشيء ستره وأخفاه
وما من غائبة في السماء والأرض أي من شيء خفي ثابت الخفاء فيهما على أن غائبة صفة غلبت في هذا المعنى فكثر عدم إجرائها على الموصوف ودلالتها على الثبوت وإن لم تنقل إلى الاسمية كمؤمن وكافر فتاؤها ليست للتأنيث إد لم يلاحظ لها موصوف تجري عليه كالرواية للرجل الكثير الرواية فهي تاء مبالغة ويجوز أن تكون صفة منقولة إلى الاسمية سمي بها ما يغيب ويخفى والتاء فيها للنقل كما في الفاتحة والفرق بين المغلب والمنقول على ماقال الخفاجي إن الأول يجوز إجراؤه على موصوف مذكر بخلاف الثاني
والظاهر عموم الغائبة كائنة ما كتنت إلا في كتب مبين
57
- أي بين أو مبين لما فيه لمن يطالعه وينظر فيه من الملائكة عليهم السلام وهو اللوح المحفوظ واشتماله على ذلك إن كان متناهيا لا إشكال فيه وإن كان غير متناه ففيه إشكال ظاهر ضرورة قيام الدليل على تناهي الابعاد واستحالة وجود مالا تناهى ولعل وجود الأشياء الغير المتناهية في علم الله تعالى في اللوح المحفوظ على نحو ما يزعمونه من وجود الحوادث في الجفر الجامع وإن لم يكن ذلك حذو القذة بالقذة
وقيل : المراد بالكتاب المبين علمه تعالى الأذلي الذي هو مبدأ لإظهار الأشياء بالارادة والقدرة وقيل : حكمه سبحانه الأذلي وإطلاق الكتاب على ما ذكر من باب الاستعارة ولا يخفى ما في ذلك
وقيل : المراد به القرآن واشتماله على كل غائبة على نحو ما ذكرنا في اشتمال اللوح المحفوظ عليه وقد ذكر أن بعض العارفين استخرج من الفاتحة أسماء السلاطين العثمانية ومدد سلطنتهم إلى آخر من يتسلطن منهم أدام الله تعالى ملكهم إلى يوم الدين ووفقهم لما فيه صلاح المسلمين
وذكر بعضهم في هذا الوجه أنه مناسب لما بعد من وصف القرآن وفيه ما فيه وقال الحسن : الغائبة هو

الصفحة 17