كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

يوم القيامة وأهوالها وقال صاحب الغنيان : الحوادث والنوازل وقيل : أعمال العباد وقيل : ما غاب من عذأب السماء والأرض والعموم أولى وروي ذلك عن ابن عباس فقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم أنه قال : في الآية يقول سبحانه : ما من شيء في السماء والأرض سرا وعلانية إلا يعلمه سبحانه وتعالى وأخذ منه بعضهم حمل الكتاب على العلم الأزلي وفيه نظر لجواز أن يكون قد جعل كون ذلك في كتاب مبين كناية عن علمه تعالى به
وذهب أبو حيان إلى أنه رضي الله تعالى عنه اعتبر في الآية حذف أحد المتقابلين اكتفاءا بالآخرة وكلامه رضي الله تعالى عنه محتمل لذلك ويحتمل أنه ذكر العلانية في بيان المعنى لأن من علم السر علم العلانية من باب أولى ويحتمل أن ذلك لأنه ما من علانية إلا وهي غيب بالنسبة إلى بعض الأشخاص فيكون قد أشار رضي الله تعالى عنه ببيان المعنى وذكر السر والعلانية فيه إلى أن المراد بغائبة في الآية ما يشملها وهو ما أتصف بالغيبة أعم من أن تكون مطلقة أو إضافية كذا قيل فتدبر
إن هذا القرءان يقص على بني اسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون
67
- لما ذكر سبحانه ما يتعلق بالمبدأ والمعاد ذكر تعالى ما يتعلق بالنبوة فان القرآن أعظم ما تثبت به نبوة نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم فذكر جل وعلا أنه يقص على بني إسرائيل والمراد بهم كما روي عن قتادة اليهود والنصارى أكثر ما تجدد واستمر اختلافهم فيه على وجه ويبين لهم حقيقة الأمر فيه وذلك مما يقتضي إسلامهم لو تاملوا وأنصفوا لكنهم لم يفعلوا وكابروا مثلكم أيها المشركون ومما اختلفوا فيه أمر المسيح عليه السلام فمن قائل : هو الله تعالى ومن قائل : ابن الله سبحانه ومن قائل : ثالث ثلاثة ومن قائل : هو نبي كغيره من الأنبياء عليهم السلام ومن قائل : هو وحاشاه كاذب في دعواه النبوة وينسب مريم فيه إلى ما هي منزهة عنه رضي الله تعالى عنها وهم اليهود الذي كذبوه وأمر النبي المبشر به في التوراة فمن قائل : هو يوشع عليه السلام ومن قائل : هو عيسى عليه السلام ومن قائل : إنه لم يأت إلى الآن وسيأتي في آخر الزمان ومما اختلفوا فيه أمر الخنزير فقالت اليهود : بحرمة أكله وقالت النصارى : بحله إلى غير ذلك
ؤإنه لهدى ورمة للمؤمنين
77
- على الاطلاق فيدخل فيهم من آمن من بني إسرائيل دخولا أوليا وتخصيص المؤمنين بهم كما فعل بعضهم خلاف الظاهر وتخصيص المؤمنين بالذكر مع أنه رحمة للعالمين لأنهم المنتفعون به إن ربك يقضي بينهم أي بين بني إسرائيل الذين اختلفوا أو بين المؤمنين وبين الناس بحكمه قيل : أي بحكمته جل شأنه ويدل عليه قراءة جناح بن حبيش بحكمه بكسر الحاء وفتح الكاف جمع حكمة مضاف إلى ضميره تعالى وقيل : المراد بالحكم المحكوم به إطلاقا للمصدر على اسم المفعول والمراد بالمحكوم به الحق والعدل وعلى الوجهين لم يبق على المعنى المصدري والداعي لذلك أن يقضي بمعنى يحكم فلو بقي الحكم على المعنى المصدري لصار الكلام نحو قولك : زيد يضرب بضربه وهو لايقال مثله في كلام عربي وأورد عليه أنه يصح أن يقال ذلك على معنى يضرب بضربه المعروف بالشدة مثلا فالمعنى هنا يحكم بحكمه المعروف بملابسة الحق أو يحكم بحكم نفسه تعالى لابحكم غيره عز شأنه كالبشر وقيل عليه : ليس المانع لصحة مثل هذا القول إضافة المصدر إلى ضمير الفاعل فانه لا كلام في صحته كاضافته إلى ضمير المفعول في سعى لها سعيها إنما المانع دخول الباء على المصدر المؤكد ثم إن المعنى الأول يوهم أن له سبحانه حكما غير معروف

الصفحة 18