كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

إلىإلى طريق الحق وهم موتى وهذا بالنظر لأول الدعوة ولو أحييناهم لم يفد أيضا لأنهم صم وقد ولوا مدبرين وهذا بالنظر لحالهم بعد التبليغ البليغ ونفرتهم عنه ثم إنا لو أسمعناهم أيضا فهم عمي لايهتدون إلى العمل بما يسمعون وهذا خاتمة أمرهم ويعلم من هذا ما في ذلك من مزيد المزية الخالية عن التكلف
وجوز أن يكون التشبيه لطوائف على مراتبهم في الضلال فمنهم من هو كالميت ومن هو كالأصم ومن هو كالأعمى وهو وإن كان وجها خفيف المؤنة إلا أنه خلاف الظأهر أيضا ولا تسمع الصم الدعاء أي الدعوة إلى أمر من الأمور وتقييد النفي بقوله تعالى : إذا ولوا مدبرين
8
- لتميم التشبيه وتأكيد النفي فانهم مع صممهم عن الدعاء إلى الحق معرضون عن الداعي مولون على أدبارهم ولا ريب في أن الأصم لايسمع الدعاء مع كون الداعي بمقابلة صماخه قريبا منه فكيف إذا كان خلفه بعيدا منه ومثله في التميم قول أمريء القيس : حملت ردينيا كأن سنانه سنا لهب لم يتصل بدخان وقرأ ابن كثير لايسمع الصم الدعاء بالياء التحتانية وفتح الميم ورفع الصم وما أنت بهدى العمي عن ضللتهم أي وما أنت بصارف العمي عن ضلالتهم هاديا لهم هداية موصلة إلى المطلوب لفقد الشرط العادي للاهتداء وهو البصر و عن متعلقة بالهداية باعتبار تضمنها معنى الصرف كما أشرنا اليه وجوز أبو البقاء أن تعلق بالعمي ويكون المعنى أن العمي صدر عن ضلالتهم وفيه بعد وإيراد الجملة الأسمية للمبالغة في نفي الهداية
وقرأ يحيى بن الحرث وابو حيوة بهاد بالتنوين العمي بالنصب وقرأ الأعمش وطلحة وابن وثاب وابن يعمر وحمزة تهدي مضارع هدي العمي بالنصب وقرأ ابن مسعود وما أنت تهتدي بزيادة أن بعد ما كما في قوله امريء القيس : حلفت لها بالله حلفة فاجر لناموا فما أن من حديث ولا وصال و تهدتي مضارع اهتدى و العمي بالرفع إن تسمع أي ما تسمع إسماعا يجدي السامع نفعا
إلا من يؤمن بأيتنا أي من شأنهم الايمان بها وهم الذي ليسوا موتى ولا صما ولا عميا
وقال بعض الأجلة : أي إلا من هو في علم الله تعالى كذلك واعترض بأن صيغة الاستقبال وإن صحت باعتبار تعلق العلم فيما لايزال إلأ أن المناسب صيغة المضي واختار المعترض أن المعنى إلا الذين يصدقون أن القرآن كلام الله تعالى إد حينئذ تثبت نبوته صلى الله عليه و سلم فيقبل قوله ويجدي إسماعه نفعا وتعقب بأنه ينتقض الحصر بالمصدقين في الاستقبال إن كانت الصيغة للحال وبالمصدقين في الحال إن كانت للاستقبال وإذا دفع لزوم الانتقاض بجعلها لهما لزم استعمال المشترك في معنييه معا أو الجمع بين الحقيقة والمجاز وأجيب بأن المراد الحال ويدخل غيره فيه بدلالة النص من غير تكليف
وقال بعض المحققين : قد يراد بالمضارع الاستقبال الشامل لجميع الأزمنة فان الاستقبال كما يكون بالنظر لزمان الحكم والتكلم على ما حقق في الاصول يجوز أن يكون بالنظر إلى علم القائل أيضا فيشمل من يؤمن هنا من آمن حالا كما يشمل من يؤمن استقبالا فلا غبار في المعنى الذي اختاره ذلك المعترض من هذه الحيثية

الصفحة 20