كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

نعم قيل : إن فيه شبه تحصيل الحاصل لأن التصديق بالقرآن هو استماعه النافع ولعل من عدل عنه إنما عدل لذلك ولم يعبأ بالمغايرة بين ذينيك الأمرين الظاهرة بعد النظر الصحيح والحق أن ماذكر من شبه تحصيل الحاصل على طرف التمام لظهور الفرق بين الاسماع المراد في الآية والتصديق بأن القرآن كلام الله تعالى كما لايخفى وجوز أن يزاد بالآيات المعجزات التي أظهرها الله تعالى على يده عليه الصلاة و السلام الشاملة للآيات التنزيلية والتكوينية وأن يراد بها الآيات التكونية فقط والايمان بها التصديق بكونها آيات الله تعالى وليست من السحر وإذا أريد بالاسماع النافع على هذا إسماع الآيات التنزيلية ليؤتى بما تضمنته من الاعتقادات والاعمال كان الكلام أبعد وأبعد من أن يكون فيه شبه تحصيل الحاصل إلا أن ذلك لايخلو عن شيء وفي إرشاد العقل السليم أن إيراد الاسماع في النفي والاثبات دون الهداية مع قربها أن يقال : إن تهدي إلا من يؤمن الخ لما أن طريق الهداية هو إسماع الآيات التنزيلية فافهم وقوله تعالى : فهم مسلمون
18
- قيل : تعليل لايمانهم بها كأنه قيل : فانهم منقادون للحق في كل وقت
وقيل : مخلصون لله تعالى من قوله تعالى : بلى من أسلم وجهه لله وقيل : هو تعليل لما يدل عليه الكلام من أنهم يسمعون إسماعا نافعا لهم وفي توحيد الضمير تارة وجمعه أخرى رعاية للفظ من ومعناها
واستدل بقوله سبحانه : إنك لاتسمع الموتى على أن الميت لايسمع كلام الناس مطلقا وسيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل الكلام في ذلك في سورة الروم على أتم وجه وإذا وقع القول عليهم بيان لما أشير اليه بقوله تعالى : بعض الذي تستعجلون من بقية ما يستعجلونه من الساعة ومباديها والمراد بالقول ما نطق من الآيات الكريمة بمجيء الساعة وما فيها من فنون الأهوال التي كانوا يستعجلونها وبوقوعه قيامها وحصولها عبر عن ذلك به للايذان بشدة وقعها وتأثيرها واسناده إلى القول لما أن المراد بيان وقوعها من حيث أنها مصداق للقول الناطق بمجيئها وقد أريد بالوقوع دنوه واقترابه كما في قوله تعالى : أتى أمر الله ففيه مجاز المشارفة أي إذا دنا وقوع مدلول القول المذكور الذي لايكادون يسمعونه ومصداقه
أخرجنا لهم دابة من الأرض وذلك على ما أخرج ابن مردويه من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا وهو وجماعة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما موقوفا حين يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : أكثروا الطواف بالبيت من قبل أن يرفع وينسى الناسمكانه وأكثروا تلاوة القرآن من قبل أن يرفع قيل : وكيف يرفع ما في صدور الرجال قال : يسري عليهم ليلا فيصبجون منه فقراء وينسون قول لا إله إلا الله ويقعون في قول الجاهلية وأشعارهم فذلك حين يقع القول عليهم وهذا ظاهر في أن خروج الدابة حين لايبقى في الأرض خير ويقتضي ذلك أن يكون بعد موت عيسى والمهدي وأتباعهما عليهم السلام وسيأتي إن شاء الله تعالى من الأخبار ما هو ناطق بأنها تخرج وعيسى يطوف بالبيت ومعه المسلمون
وأخرج نعيم بن حماد عن وهب بن منبه قال : أول الآيات الروم والثانية الدجال والثالثة ياجوج وما جوج والرابعة عيسى والخامسة الدخان والسادسة الدابة وصوب السفاريني أنها قبل الدخان والحق أنها تخرج وفي الناس مؤمن وكافر فالظاهر أن الخبر المذكور عن ابن مسعود غير صحيح ويدل على ما ذكرنا

الصفحة 21