كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

من الحق ما أخرج أحمد والطيالسي ونعيم بن حماد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تخرج دابة الأرض ومعها عصا موسى وخاتم سليمن عليهما السلام فتجلو وجه المؤمن بالخاتم وتحطم أنف الكافر بالعصا حتى يجتمع الناس على الخوان يعرف المؤمن من الكافر وقد أختلفت الروايات فيها اختلافا كثيرا فحكى أبو حيان في البحر والدميري في حياة الحيوان أن روياة أنه يخرج في كل بلد دابة مما هو مبثوث نوعها في الأرض فليست دابة واحدة وعليه يراد بداية الجنس الصادق بالمتعدد وأكثر الروايات أنها دابة واحدة وهو الصحيح فالتعبير عنها باسم الجنس وتأكيد إبهامه بالتنوين الدال على التفخيم من الدلالة على غرابة شأنها وخروج أوصافها عن طور البيان مالايخفى وعلى كونها واحدة اختلف فيها أيضا فقيل : هي من الأنس واستؤنس له بما روى محمد بن كعب القرظي قال : سئل علي كرم الله تعالى وجهه عن الدابة فقال : أما والله إنها ليست بدابة لها ذنب ولكن لها لحية وفي الميزان للذهبي عن جابر الجعفي وهو كذاب قال أبو حنيفة : ما لقيت أكذب منه أنه كان يقول : هي من الانس وأنها علي نفسه كرم الله تعالى وجهه وعلى ذلك جمع من إخوانه الشيعة ولهم في ذلك روايات : منها مارواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه قال : قال رجل لعمار بن ياسر : يا أبا اليقظان آية في كتاب الله تعالى أفسدت قلبي قال عمار : وأية آية هي فقال : وإذا وقع القول عليهم الآية فأية دابة هذه قال عمار : والله ما أجلس ولا آكل ولا أشرب حتى أريكها فجاء عمار مع الرجل إلى اير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه وهو يأكل تمرا وزبدا فقال : يا أبا اليقظان هلم فجلس عمار يأكل معه فتعجب الرجل منه فلما قام عمار قال الرجل : سبحان الله حلفت أنك لاتجلس ولا تأكل ولا تشرب حتى ترينيها قال عمار : قد أريتكها إن كنت تعقل وروى العياشي هذه القصة بعينها عن أبي ذر أيضا وكل ما يروونه في ذلك كذب صريح وفيه القول بالرجعة التي لاينتهض لهم عليها دليل
وفي بعض الآثار ما يعارض ما ذكر فقد أخرج ابن أبي حاتم عن النزال بن سبرة قال : قيل لعلي كرم الله تعالى وجهه : إن ناسا يزعمون أنكدابة الأرض فقال : والله إن لدابة الأرض لريشا وزغبا ومالي ريش ولا زغب وأن لها حافرا ومالي حافر وأنها لتخرج من حفر الفرس الجواد ثلاثا وماخرج ثلثها والمشهور وهو الحق أنها دابة ليست من نوع الانسان فقيل : هي الثعبان الذي كان في جوف الكعبة واختطفته العقاب حين أرادت قريش بناء البيت فمنعهم وأن العقاب التي اختطفته القته بالحجون فالتقمته الارض وذكر ذلك الدميري عن ابن عباس والاكثرون على أنها غيرها
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن الزبير أنه وصف الدابة فقال : رأسها رأس ثور وعينها عين خنزير وأذنها أذن فيل وقرنها قرن إيل وعنقها عنق نعامة وصدرها صدر أسد ولونها نمر وخاصرتها خاصرة هرة وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعا زاد ابن جرير بذراع آدم عليه السلام
ونقل السفاريني عن كعب أنه قال : صوتها صوت حمار وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس أنه قال : الدابة مؤلفة ذات زغب وريش فيها من ألوان الدواب كلها من كل أمة سيما وسيماها من هذه الأمة أنها تتكلم

الصفحة 22