كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

وفي البحر أنهم اختلفوا في ماهيتها وشكلها ومحل خروجها وعدد خروجها ومقدار ما يخرج منها وما تفعل بالناس وما الذي تخرج به اختلافا مضطربا معارضا بعضه بعضا فاطرحنا ذكره لأن نقله تسويد للورق بما لايصح وتضييع لزمان نقله اه وهو كلام حق وأنا إنما نقلت بعض ذلك دفعا لشهوة من يحب الاطلاع على شيء من أخبارها صدقا كان أو كذبا وقد تصدى السفاريني في كتبه البحور الزاخرة للجمع بين بعض هذ الأخبار المتعارضة ولا أظنه أتى بشيء
ثم إن الأخبار المذكورة أقربها للقبول الخبر الذي حسنه الترمذي ومن الأخبار في هذا الباب ما صححه الحاكم وتصحيحه محكوم عليه بين المحدثين بعدم الاعتبار وقصارى ما أقول في هذه الدابة أنها دابة عظيمة ذات قوائم ليست من نوع الانسان أصلا يخرجها الله تعالى آخر الزمان من الأرض وفي تقييد إخراجها بقوله سبحانه : من الأرض نوع إشارة على ماقيل : إلى أن خلقها ليس بطريق التوالد بل هو بطريق التولد نحو خلق الحشرات
وقيل : إنه للاشارة إلى تكونها في جوف الأرض فيكون إخراجها من الأرض رمز إلى ما يكون في الساعة التي أخرجت بين يديها من تشقق الارض وخروج الناس من جوفها أحياءا كاملة خلقتهم وفي هذأ وما قبله ذهاب الى تعلق من الارض ب اخرجنا وهو الظاهر الذي ينبغي أن يعول عليه دون كونه متعلقا بمحذوف وقع صفة لدابة أي دابة كائنة من الأرض
تكلمهم أن الناس كانوا بآيتنا لايوقنون
28
- أي تكلمهم بأنهم كانوا لايتيقنون بآيات الله تعالى الناطقة بمجيء الساعة ومباديها أو بجميع آياته التي من جملتها تلك الآيات وقيل : بآياته التي من جملتها خروجها بين يدي الساعة وليس بذاك وإضافة الآيات إلى نون العظمة لأنها حكاية منه تعالى لمعنى قولها لالعين عبارتها
وقيل : لأنها حكاية منها لقول الله عز و جل وقيل : لاختصاصها به تعالى وأثرتها عنده سبحانه كما يقول بعض خواص الملك خيلنا وبلادنا وإنما الخيل والبلاد لمولاه وقيل : هناك مضاف محذوف أي بآيات ربنا
والظاهر أن ضمير الجمع في تكلمهم للكفرة المنكرين للبعث مطلقا لا للكفرة المحدث عنهم فيما سبق بخصوصهم ضرورة أنهم ليسوا موجودين عند إخراج الدابة لتكلمهم وتكليمها إياهم وهم موتى بعيد أو غير معقول والرجعة التي يعتقدها الشيعة لانعتقدها والآية الآتية لاتدل كما يزعمون عليها ويسهل أمر ذلك أنه ليس مدار الحديث عنهم سوى ما هم عليه من الشرك والكفر بالآيات وإنكار البعث وذلك موجود فيهم وفي الكفرة الموجودين عند إخراج الدابة ومثله ضميرا عليهم ولهم والمراد بالناس الكفرة الماضون مطلقا لامشركو أهل مكة فقط والمراد بإخبارها إياهم بذلك التحسر على ما فتاهم من الايقان بما قرب وقوعه وظهور بطلان ما اعتقدوه فيه ومؤاخذتهم على التكذيب به أشد مؤاخذة وفي ذلك استدعاء لأمثالهم إلى ترك ما هم عليه مما شاركوهم به من التكذيب وإنكار البعث وجوز أن يراد بالناس مشركو أهل مكة وأمر الاخبار على حاله
وقيل : يجوز أن تكون الضمائر للناس لا للكفرة منهم خاصة ويراد بالناس إما الكفرة المنكرون للبعث والمراد بالاخبار التنفير عما كانوا عليه من الانكار ليثبت المؤمن ويرتدع الكافر وإما مشركو أهل مكة المراد بالاخبار ذلك
وقيل المراد به التشنيع عليهم بين أحيائهم وأعدائهم وكان بلسان الدابة ليكون أبلغ لما فيه من ظهور خطئهم عند ما لايظن إدراكه له فضلا عن النطق به وإذاعته على سبيل التشنيع وكان بين يدي الساعة ليردفه

الصفحة 24