كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

بلا كثير فصل ما يشبهه من شهادة الأعضاء عليهم وهي أبعد وقوعا مع تشنيع الدابة وفي وقوعها بعده ما يشبه الترقي من العظيم إلى الأعظم وأيد كون الضمائر للناس على الاطلاق وأن المراد بالناس المذكور في النظم الكريم أهل مكة ما روي عن وهب أن الدابة تخبر كل من تراه أن أهل مكة كانوا بمحمد صلى الله عليه و سلم والقرآن لايوقنون وقيل : ضميرا عليهم ولهم لمشركي أهل مكة المحدث عنهم فيما سبق ومعنى لهم لذمهم أو نحوه وضمير تكلمهم للناس الموجودين عند الاخراج أو للكفرة كذلك والمراد بالناس المذكور في النظم الكريم أولئك المشركون وقيل : غير ذلك ولايخفى عليك بأدنى تأمل ما هو الأولى والأظهر في الآية من الأقوال وايا ما كان فوصف الناس بعدم الايقان بالآيات مع أنهم كانوا جاحدين لها للايذان بأنه كان من حقهم أن يوقنوا بها ويقطعوا بصحتها وقد أتصفوا بنقيض ذلك وكون التكليم من الكلام هو الظاهر ويؤيده قراءة أبي تنبؤهم وقراءة يحيى بن سلام تحدثهم
وقيل : هو من الكلم بمعنى الجرح والتفعيل للتكثير ويؤيده قراءة ابن عباس ومجاهد وابن جبير وأبي زرعة والجحدري وأبي حيوة وابن أبي عبلة تكلمهم بفتح التاء وسكون الكاف وتخفيف اللام وقراءة بعضهم تجرحهم مكان تكلمهم وكأنه أريد بالجرح ما هو مقابل التعديل ويرجع ذلك إلى معنى التشنيع ورجوع الضمائر عليه إلى الكفرة المحدث عنهم فيما سبق مما لاغبار عليه وقوله تعالى : أن الناس الخ بتقدير بأن الناس والمعنى تشنع عليهم بهذا الكلام ويراد بالناس فيه أولئك المشنع عليهم وظاهر الآية وقوعه في كلامها بهذا اللفظ ولعل فهم السامعين كون المراد به مشركي مكة وقت التشنيع بمعونة قرينة تدل على ذلك إذ ذاك ويحتمل أن يكون الواقع فيه بدله مشركي مكة أو نحوه لكن جاء في الحكاية بلفظ الناس والنكتة فيه على ما قيل : الايماء إلى كثرتهم
وقيل : الرمز إلى مزيد قبح عدم الايقان منهم ويعلم مما ذكر وجه العدول عن أنهم إلى أن الناس وجوز أن يكون بتقدير حرف التعليل أي لأن الناس الخ وهو تعليل من جهته تعالى لجرحها إياهم وفيه إقامة الظاهر مقام الضمير الراجع كالضمائر السابقة إلى مشركي مكة وجوز أن تقدر الباب على أنها سببية
وجوز أيضا أن يكون المراد بالكلم الجرح بمعنى الوسم فقد روي أنها تسم جبهة الكافر وفي رواية أخرى أنها تخطم أنفه بعصا موسى عليه السلام التي معها واختار بعضهم كون المراد به ما ذكر لما في حديث أخرجه نعيم بن حماد وابن مردويه عن عمر رضي الله تعالى عنه مرفوعا ليس ذلك بحديث ولا كلام ولكنه سمة تسم من أمرها الله تعالى وسأل أبو الحوراء ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هل ما في الآية تكلمهم أو تكلمهم فقال كل ذلك تفعل تكلم المؤمن وتكلم الكافر تجرحه والظاهر أن الضمائر على تقدير أن يراد بالكلم الجرح والوسم راجعة إلى الكفرة على الاطلاق دون المحدث فيما سبق إذ لامعنى لوسمها إياهم ويتعين أن يراد بالناس أولئك الكفرة الذين عادت عليهم الضمائر ولعل المعنى تسمهم لأنهم كانوا في علمنا بآياتنا لايوقنون وقرأ ابن مسعود بأن وجعلت مؤيدة لكون التكليم من الكلام وهو مبني على الظاهر وإلا فالباء تحتمل أن تكون للسببية فتلائم كونه من الكلم بمعنى الجرح وقرأ بعض السبعة إن بكسر الهمزة وخرج على إضمار القول أو إجراء التكليم من الكلام مجراه أو على أن الكلام استئناف مسوق من جهته سبحانه للتعليل فتدبر

الصفحة 25