كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

ولأن الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة فيتطرق التأويل عليها وإنما المعول عليه في ذلك إجماع الشيعة الامامية وإن كانت الأخبار تعضده وتؤيده انتهى
وأقول : أول من قال بالرجعة عبد الله بن سبأ ولكن خصها بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وتبعه جابر الجعفي في أول المائة الثانية فقال برجعة الأمير كرم الله تعالى وجهه أيضا لكن لم يوقتها بوقت ولما أتي القرن الثالث قرر أهله من الامامية رجعة الأئمة كلهم وأعدائهم وعينوا لذلك وقت ظهور المهدي واستدلوا على ذلك بما رووه عن أئمة أهل البيت والزيدية كافة منكرون لهذه الدعوى إنكارا شديدا وقد ردوها في كتبهم على وجه مستوفي بروايات عن أئمة أهل البيت أيضا تعارض روايات الامامية والآيات المذكورة هنا لاتدل على الرجعة حسبما يزعمون ولا أظن أن أحدا منهم يزعم دلالتها على ذلك بل قصارى ما يقول : إنها تدل على رجعة المكذبين أو رؤسائهم فتكون دالة على أصل الرجعة وصحتها لا على الرجعة بالكيفية التي يذكرونها وفي كلام الطبرسي ما يشير إلى هذا
وأنت تعلم أنه لايكاد يصح إرادة الرجعة إلى الدنيا من الآية لافادتها أن الحشر المذكور لتوبيخ المكذبين وتقريعهم من جهته عز و جل بل ظاهر ما بعد يقتضي أنه تعالى بذاته ويوبخهم ويقرعهم على تكذيبهم بآياته سبحانه والمعروف من الآيات لمثل ذلك هو يوم القيامة مع أنها تفيد أيضا وقوع العذاب عليهم واشتغالهم به عن الجواب ولم تفد موتهم ورجوعهم إلى ما هو أشد منه وأبقى وهو عذاب الآخرة الذي يقتضيه عظم جنايتهم فالظاهر استمرار حياتهم وعذابهم بعد هذا الحشر ولا يتسنى ذلك إلا إذا كان الحشر يوم القيامة وربما يقال أيضا : مما يأبى حمل الحشر المذكور على الرجعة أن فيه راحة لهم في الجملة حيث يفوت به ما كانوا فيه من عذاب البرزخ الذي هو للمكذبين كيفما كان أشد من عذاب الدنيا وفي ذلك إهمال لما يقتضيه عظم الجناية وأيضا كيف تصح إرادة الرجعة منها وفي الآيات ما يأبى ذلك منه قوله تعالى : قال رب أرجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون فان آخر الآية ظاهر في عدم الرجعة مطلقا وكون الأحياء بعد الاماتة والارجاع إلى الدنيا من الأمور المقدورة له عز و جل مما لاينتطح فيه كبشان إلا أن الكلام في وقوعه وأهل السنة ومن وافقهم لايقولون به ويمنعون إرادته من الآية ويستندون في ذلك إلى آيات كثيرة والأخبار التي روتها الأمامية في هذا الباب قد كفتنا الزيدية مؤنة ردها على أن الطبرسي أشار إلى أنها ليست أدلة وأن التعويل ليس عليها وإنما الدليل إجماع الامامية والتعويل ليس إلا عليه وأنت تعلم أن مدار حجية الاجماع على المختار عندهم حصول الجزم بموافقة المعصوم ولم يحصل للسني هذا الجزم من إجماعهم هدا فلا ينتهض ذلك حجة عليه مع أن له إجماعا يخالفه وهو إجماع قومه على عدم الرجعة الكاشف عما عليه سيد المعصومين صلى الله تعالى عليه وسلم وكل ما تقوله الإمامية في هذا الاجماع يقول السني مثله في إجماعهم وما ذكر من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : سيكون في أمتي الحديث لا نعلم صحته بهذا اللفظ بل الظاهر عدم صحته فانه كان في بني إسرائيل مالم يذكر أحد أنه يكون مثله في هذه الأمة كنتق الجبل عليهم حين امتنعوا عن أخذ ما آتاهم الله تعالى من الكتاب والبقاء في التيه أربعين سنة حين قالوا لموسى عليه السلام : إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ونزول المن والسلوى عليهم فيه إلى غير ذلك

الصفحة 27