كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

لاستمرار الكفر بهم نفس الكفر أو كلا عمل ثم قال : وهذا وجه وجيه بالغ ومنه ظهر أن دخول أم على أسماء الاستفهام غير منكر إذا خرجت عن حقيقة الاستفهام وهو مقاس معنى وإن كانت مراعاة صورة الاستفهام أيضا منقاسة من حيث اللفظ لكنهم يرجحون في نحوه جانب المعنى ولا يلتفتون لفت اللفظ اه
واختار أبو حيان كون أم منقطعة فتقدر ببل وحدها وهي للانتقال من توبيخ إلى توبيخ وليس في ذلك شائبة من دخول الاستفهام على الاستفهام وما تقدم أبعد مغزى و ماذا تحتمل أن تكون بجملتها استفهاما منصوب المحل بخبر كان وهو تعملون أو مرفوعة على الابتدا ءوالجملة بعده والرابط محذوف أي تعملونه وتحتمل أن تكون ما فيها استفهامية و ذا اسم موصول بمعنى الذي وهما مبتدأ وخبر والجملة بعد صلة الموصول والعائد اليه محذوف
وقرأ أبو حيوة أما ذا بتخفيف الميم وفيها دخول الاستفهام على الاستفهام وقد سمعت وجهه
ووقع القول عليهم حل بهم العذاب الذي هو مدلول القول الناطق بحلوله وهو كبهم في النار بما ظلموا أي بسبب ظلمهم الذي هو تكذيبهم بآيات الله تعالى فهم لاينطقون
58
- بحجة لانتفائها عنهم بالكلية وبتلائهم بما حل بهم من العذاب الأليم وقيل : يختم على أفواههم فلا يقدرون على النطق بشيء أصلا
وفي البحر أن انتفاء نطقهم يكون في موطن من مواطن القيامة أو من فريق من الناس لأن القرآن الكريم ناطق بأنهم ينطقون في بعض المواطن بأعذار وما يرجون به النجاة من النار
ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه الرؤية قلبية لابصرية لأن نفس الليل والنهار وإن كانا من المبصرات لكن جعلهما كما ذكر من قبيل المعقولات أي ألم يعلموا أنا جعلنا الليل بما فيه من الاظلام ليستريحوا فيه بالقرار والنوم قال بعض الرجاز : النوم راحة القوى الحسية من حركات والقوى النفسية والنهر مبصرا أي ليبصروا بما فيه من الاضاءة طرق التقلب في أمور معاشهم فبولغ حيث جعل الابصار الذي هو حال الناس حالا له ووصفا من أوصافه التي جعل عليها بحيث لاينفك عنها ولم يسلك في الليل هذا المسلك لما أن تأثير ظلام الليل في السكون ليس بمثابة تأثير ضوء النهار في الابصار والمشهور أن في الآية صنعة الاحتباك والتقدير جعلنا الليل مظلما ليسكنوا فيه والنهار مبصرا لينتشروا فيه إن في ذلك أي في جعلهما كما وصفا وما في اسم الاشارة من معنى البعد للاشعار ببعد درجته في الفضل لأيت عظيمة لقوم يوقنون
68
- فانه يدل على التوحيد وتجويز الحشر وبعث الرسل عليهم السلام لأن تعاقب النور والظلمة على وجه مخصوص غير متعين بذاته لايكون إلا بقدرة قاهرة ليست لما أشركه المشركون وأن من قدر على إبدال الظلمة بالنور في مادة واحد قدر على إبدال الموت بالحياة في مواد الأبدان وأن من جعل الليل والنهار سببين لمنافعهم ومصالحهم لعله لايخل بما هو مناط جميع مصالحهم في معاشهم ومعادهم وهو بعثة الرسل عليهم السلام

الصفحة 29