كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

له عليه الصلاة و السلام بالحمد على ما خصه جل وعلا به من رفع عذاب الاستئصال عن أمته ومخالفتهم لمن قبلهم ممن ذكرت قصته من الأمم المستاصلة بالعذاب وبالسلام على الأنبياء الذين صبروا على مشاق الرسالة
فالمراد بالمصطفين الأنبياء خاصة وأخرج عبد بن حميد والبزار وابن جرير وغيرهم عن ابن عباس أنه قال فيهم : هم أصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وسلم اصطفاهم الله تعالى لنبيه عليه الصلاة و السلام
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سفيان الثوري أنه قال في سلام الخ : نرلت في أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم خاصة وهذا ظاهر في القول بجواز السلام على غير الأنبياء استقلالا كما هو مذهب الحنابلة مبتدأة حيث قال : أمر رسوله صلى الله عليه و سلم أن يتلوا هذه الآيات الناطقة بالبراهين على وحدانيته تعالى وقدرته على كل شيء وحكمته أعني قوله سبحانه : آلله الخ وأن يستفتح بتحميده والسلام على أنبيائه والمصطفين من عباده وفيه تعليم حسن وتوقيف على أدب جميل وبعث التيمن بالذكرين والتبرك بهما والاستظهار بمكانهما على قبول ما يلقى إلى السامعين وإصغائهم اليه وإنزاله من قلوبهم المنزلة التي يبغيها المسمع ولقد توارثت العلماء والخطباء والوعاظ كابرا عن كابر هذا الأدب فحمدوا الله تعالى وصلوا على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أما كل علم مفاد وقبل كل موعظة وتذكرة وفي مفتتح كل خطبة وتبعهم المتراسلون فأجروا عليه أوائل كتبهم في الفتوح والتهاني وغير ذلك من الحوادث التي لها شأن انتهى ولعل جعل ذلك تخلصا من قصص الأنبياء عليهم السلام إلى ما جرى له صلى الله تعالى عليه وسلم مع المشركين أولى وأبعد الأقوال القول باتصاله بما قبله وجعل ذلك أمرا للوط عليه السلام بأن يحمده تعالى على إهلاك كفرة قومه وأن يسلم على من اصطفاه بالعصمة عن الفواحش والنجاة عن الهلاك لعدم ملاءمته لما بعده واحتياجه إلى تقدير وقلنا له وعزا هذا القول ابن عطية للفراء وقال : هذه عجمة من الفراء والظاهر أن سلام مبتدأ وما بعده خبره والجملة معطوفة على الحمد لله داخلة معه في حيز القول
وقرأ أبو السمال الحمد لله بفتح اللام آلله بالمد لقلب همزة الاستفهام ألفا والأصل أألله
خيرا أما يشركون والظاهر أن ما موصولة والعائد محذوف أي آلله الذي ذكرت شئونه العظيمة خير أم الذي يشركونه من الاصنام و خير أفعل تفضيل ومرجع الترديد إلى التعريض بتبكيت الكفرة من جهته عز و جل وتسفيه آرائهم الركيكة والتهكم بهم إذ من البين أن ليس فيما أشركوه به سبحانه شائبة خير حتى يمكن أن يوازن بينه وبين من هو خير محض وقيل : خير ليست للتفضيل مثلها في قولك : الصلاة خير تعني خيرا من الخيور والمختار الأول واستظهره أبو حيان وقال : كثيرا ما يجيء هذا النوع من أفعل التفضيل حيث يعلم ويتحقق أنه لاشركة هناك وإنما على سبيل الزام الخصم وتنبيهه على الخطأ ويقصد بالاستفهام في مثل ذلك إلزامه الاقرار بحصر التفضيل في جانب واحد وانتفائه عن الآخر واستظهر أيضا كون المراد بالخيرية في الذات وقيل : الخيرية فيما يتعلق بها وفي الكلام حذف في موضعين والتقدير أعبادة الله تعالى خير أم عبادة ما يشركون وقيل : ما مصدرية والحذف في موضع واحد والتقدير أتوحيد الله خير أم إشراكهم ولا داعي لجميع ذلك وأياما كان فضمير الغائب لقريش ونحوهم من المشركين وقيل : لأولئك المهلكين وليس بشيء وقرأ الأكثرون تشركون بالتاء الفوقانية على توجيه الخطاب لمن ذكرنا من الكفرة

الصفحة 3