كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

ففزع من في السموات ومن في الأرض مايعتري الكل عند البعث والنشور من الرعب والتهيب الضروريين الجبليين بمشاهدة الأمور الهائلة الخارقة للعادات في الأنفس والآفاق ثم قال : وقيل : المراد بالنفخ هي النفخة الأولى وبالفزع هو الذي يستتبع الموت لغاية شدة الهول كما في قوله تعالى : ونفخ في الصور فصعق من في السموات والأرض فيختص أثرها بمن كان حيا عند وقوعها دون من مات قبل ذلك من الأمم وقيل : إن المراد بالنفخة نفخة الفزع التي تكون قبل نفخة الصعق التي أريدت بقوله تعالى : ماينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق وشنع على كلا القولين بما هو مذكور في تفسيره
وقال العلامة الطيبي الحق أن المراد بقوله تعالى : ونفخ في الصور ففزع هو النفخة الأولى وقوله تعالى الآتي : وكل الخ إشارة إلى النفخة الثانية واعلم أنهم اختلفوا في عدد النفخة فقيل : ثلاث : نفخة الصعق المذكورة في قوله تعالى : ونفخ في الصور فصعق من في السموات والارض ونفخة البعث المذكورة في قوله تعالى : ونفخ في الصور فإذا هم من الاجداث إلى ربهم ينسلون ونفخة الفزع المذكورة في الآية المذكورة ههنا وهو اختيار ابن العربي
وقيل : إثنان ونفخة الفزع هي نفخة الصعق لأن الأمرين : الفزع بمعنى الخوف والصعق بمعنى الموت لازمان لها وقال القرطبي : والسنة كحديث مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص وهو طويل منه مع حذف ثم ينفخ في الصور فأول من يسمعه رجل يلوط حوضه فيصعق ثم يصعق الناس ثم ينفخ فيه أخرى فاذا هم قيام ينظرون تدل على أن النفخ مرتين لاثلاثة وهو الصحيح ونفخ الفزع هو نفخ الصعق بعينه لاتحاد الاستثناء في آيتيهما وتعقب في الرسالة المسماة بشرح العشر في معشر الحشر المنسوبة لابن الكمال بأنه لادلالة في الحديث على عدم النفخة الثالثة غايته أنه سائر الأحاديث الواردة على نسقه ساكت عنها ولا يلزم من ذلك عدمها وكذا لا دلالة في اتحاد الاستثناء في الآيتين أن يكون المذكور فيهما نفخة واحدة وهذا ظاهر ثم قال : والصحيح عندي ما في القول الأول من أن نفخة الفزع غير نفخة الصعق فإن حديث الصحيحين لايخيروني من بين الأنبياء فان الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فاذا أنا بموسى عليه السلام آخذا بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أو جزي بصعقة الطور : صريح في أن الصعق يوم القيامة وأن لاموت فيه فهو فزع بلا موت فمن قال : هي ثلاث نفخات : نفخة الفزع ثم نفخة الصعق وهو الموت ثم نفخة البعث فقد أصاب في التفرقة بين نفخة الفزع ونفخة الصعق إلا أنه لم يصب في زعمه أن نفخة الفزع قبل نفخة الصعق كيف وقد دل حديث الصحيحين المذكور على عموم حكم نفخة الفزع للانبياء عليهم السلام الذين ماتوا قبل نفخة الصعق أي الموت قال القاضي عياض : إن نفخة الفزع بعد النشر حين تنشق السموات والارض فظهر أن النفخات ثلاث بل أربع : نفخة يميت الله تعالى جميع الخلق بها كما جاء في الحديث وعند ذلك ينادي سبحانه : لمن الملك اليوم وينادي على ذلك قوله تعالى كل شيء هالك إلا وجهه ونفخة البعث كما نطق به قوله تعالى ونفخ في الصور فاذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ونفخة الصعق وهي نفخة الفزع بعينها وقد سمعت آيتيهما ونفخة الافاقة كما قال تعالى بعد ذكر نفخة الصعق ثم نفخ فيه أخرى فاذا هم قيام ينظرون وقد عرفت ما في زعم أن نفخة الصعق هي نفخة الفزع

الصفحة 31