كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

بعينهابعينها فتدبر انتهى وتعقبه بعضهم بأنه يلزم حينئذ على القول بالمغايرة بين نفخة الفزع ونفخة الصعق أن تكون النفخات خمسا ولم نسمع متنفسا يقول بذلك وأيضا فيه القول بأن نفخة الصعق بعد نفخة البعث ويأباه قوله صلى الله تعالى عليه وسلم أنا أول من تنشق عنه الأرض فأرفع رأسي فاذا موسى متعلق بقائمة من قوائم العرش فما أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله تعالى فان انشقاق الأرض عنه صلى الله تعالى عليه وسلم بعد نفخة البعث لامحالة فاذا عقبه رفع رأسه عليه الصلاة و السلام ومفاجأة كون موسى عليه السلام متعلقا بقائة من قوائم العرش فأين نفخة الصعق ولايخفى أن كون النفخات خمسا لم يسمع هو الغالب على الظن ويتوقف قبول ما ذكره ثانيا على صحة ما ذكره من الخبر ولعل القائم بما تقدم من وراء المنع وقيل : الأظهر أن النفخات ثلاث : الأولى نفخة الصعق بمعنى الموت كما هو أحد معنييه المدلول عليها بقوله تعالى ونفخ في الصور فصعق من في السموات والأرض والثانية نفخة البعث المدلول عليها بقوله تعالى : ثم نفخ فيه أخرى فاذا هم قيام ينظرون وقوله سبحانه : ونفخ في الصور فاذا هم من الاجداث الى ربهم ينسلون والثالثة نفخة الفزع المدلول عليها بما هنا وهي على ما سمعت عن القاضي عياض بعد النشر حين تنشق السموات والارض
وأصله كما قال الراغب انقباض ونفار يعتري الشخص من الشيء المخيث والمراد به الرعب الشديد ولعل الصعق المذكور في حديث الصحيحين هو غشي يترتب عليه بلا واسطة وعلى النفخ بواسطته وقد نص في الاساس على هذا المعنى له قال يقال صعق الرجل إذا غشي عليه من هدة أو صوت شديد يسمعه ويدل على أنه بمعنى الغشي قوله عليه الصلاة و السلام فأكون أول من يفيق لأن الافاقة إنما تكون من الغشي دون الموت ولم يعبر هنا بالصعق مرادا به الغشي المذكور في الحديث لئلا يتوهم إرادة معنى الموت منه لخلوه هنا عن القرينة التي في الحديث واقترانه بما يلائم ذلك وقد يختار ما هو المشهور من أن النفخة اثنتان ويجاب عما يشعر بالزيادة فالنفخة الاولى نفخة الصعق بمعنى الموت بحال هائلة فبها يموت من في السموات والارض من الاحياء قبيل ذلك إلا من شاء الله تعالى ويدل عليه آية ونفخ في الصور فصعق الخ والنفخة الثانية نفخة البعث المدلول عليها بآية ثم نفخ فيه أخرى فاذا هم قيام ينظرون وبينهما في المشهور أربعون سنة وفي الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا اربعونبدون ذكر التمييز فقيل أربعون يوما فقال أبو هريرة أبيت فقيل أربعون شهرا فقال أبيت فقيل أربعون سنة فقال أبيت ونفخة الفزع بمعنى الرعب والخوف هي هذه النفخة بعينها ووجه ذلك أنه ينفخ في الصور للبعث فيبعث الخلق وينشرون فاذا تحققوا يوم القيامة وشاهدوا آثار عظمة الله تعالى فزعوا ورعبوا الا من شاء الله تعالى وترتب الفزع على النفخ بالفاء للاشارة إلى قلة الزمان الفاصل لسرعة تحققهم ومشاهدتهم ما ذكر والاضافة في قولنا نفخة البعث وقولنا نفخة الفزع من اضافة السبب إلى المسبب إلا أن سببية النفخ للبعث بلا واسطة وسببيته للفزع بواسطة وحديث الصحيحين لاتخيروني من بين الانبياء فان الناس سصعقون يوم القيامة الخ ليس فيه سوى إثبات الصعق بمعنى الغشي كما يرشد اليه ذكر الافاقة للناس يوم القيامة ولا تعرض له لنفخ يترتب عليه ذلك نعم التعبير بالصعق على ما ذكروا في معناه يقتضي أن يكون هناك هدة أو صوت شديد يسمعه من يسمعه فيغشى عليه إلا أنه لايعين النفخ لجواز أن يكون ذلك من صوت حادث من انشقاق السموات الكائن

الصفحة 32