كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

بعدبعد البعث والفزع من يوم القيامة وما شاهدوا من أهواله
ومنع بعضهم اقتضاءه ذلك لجواز أن يراد به الغشي لحدوث أمر عظيم من أمور يوم القيامة غير النفخ وقيل : هو من فروع النفخ للبعث وذلك أنه ينفخ فتبعث الخلائق فيتحققون ما يتحققون ويشاهدون ما يشاهدون فيفزعون فيغشى عليهم إلا ما شاء الله تعالى وحديث الصحيحين مما لايأبى ذلك واحتياج الافاقة لنفخة أخرى في حيز المنع وقيل : في بيان اتحاد نفخة البعث ونفخة الفزع أن المراد بالفزع الاجابة والاسراع للقيام لرب العالمين وقد صرحت الآيات باسراع الناس عند البعث فقال تعالى : ونفخ في الصور فاذا هم من الاجداث الى ربهم ينسلون وقال سبحانه : يخرجون من الاجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ولا يخفى بعده واحتياج توجيه الاستثناء بعد عليه إلى تكلف فالاولى أن يوجه الاتحاد بما سبق فتأمل وايراد صيغة الماضي مع كون المعطوف أعني ينفخ مضارعا للدلالة على تحقق الوقوع كما في قوله تعالى : فأوردهم النار بعد قوله تعالى : يقدم قومه ووجه تأخير بيان الاحوال الواقعة في ابتداء هذه النفخة عن بيان ما يقع بعد من حشر المكذبين قد تقدم الكلام فيه فتذكر فما في العهد من قدم إلا من شاء الله استثناء متصل كما هو الظاهر من من ومفعول المشيئة محذوف أي إلا من شاء الله تعالى أن لايفزع والمراد بذلك على ما قيل : من جاء بالحسنة لقوله تعالى فيهم : وهم من فزع يومئذ آمنون وتعقب بان الفزع في تلك الآية غير الفزع المراد من قوله سبحانه : ففزع الخ وسنذكر ذلك إنشاء الله تعالى واختلف الذين حملوا النفخ هنا على النفخة الأولى التي تكون للصعق أي الموت في تعيينهم فقيل هم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وروي ذلك عن مقاتل والسدي
وقال الضحاك هم الولدان والحور العين وخزنة الجنة وحملة العرش وحكى بعضهم هذين القولين في المراد بالمستثنى على تقدير أن يراد بالنفخ النفخة الثانية وبالفزع الخوف والرعب وأورد عليهما أن حملة العرش ليسوا من سكان السموات والأرض لأن السموات في داخل الكرسي ونسبتها اليه نسبة حلقة في فلاة ونسبة الكرسي الى العرش كهذه النسبة أيضا فكيف يكون حملته في السموات وكذا الولدان والحور وخزنة الجنة لأن هؤلاء كلهم في الجنة والجنان جميعها فوق السموات ودون العرش على ما أفصح عنه قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : سقف الجنة عرش الرحمن فما فيها من الولدان والحور والخزنة لايصح استثناؤهم ممن في السموات والأرض وأما جبرائيل ومن معه من الملائكة المقربين عليهم السلام فهم من الصافين المسبحين حول العرش وإذا كان العرش فوق السموات لايمكن أن يكون الاصطفاف حوله في المسوات وأجيب بأنه يجوز أن يراد بالمسوات ما يعم العرش والكرسي وغيرهما من الاجرام العلوية فانه الأليق بالمقام وقد شاع استعمال من في السموات والارض عند إرادة الاحاطة والشمول
وقيل : لامانع من حمل السموات السبع والتزام كون الاستثناء على القولين المذ : ورين منقطعا ولايخفى ما فيه وعد بعضهم ممن استثنى موسى عليه السلام وأنت تعلم أنه لايكاد يصح إلا إذا أريد بالفزع يوم القيامة بعد النفخة الثانية أما إذا أريد به ما يكون في الدنيا عند النفخة الألى فلا على أن

الصفحة 33