كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 20)

فقلفقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لاترى فيها عوجا ولا أمتا يومئذ يتبعون الداعي وقوله سبحانه : يوم تبدل الأرض غير الارض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار فان اتباع الداعي الذي هو إسرافيل وبروز الخلق لله تعالى لايكونان إلا بعد النفخة الثانية وقد قالوا في تفسير قوله تعالى : ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم إن صيغة الماضي المعطوف مع كون المعطوف عليه مستقبلا للدلالة على تقدم الحشر على التسيير والرؤية كأنه قيل : وحشرناهم قبل ذلك اه
وقال بعضهم إنه مما يقع عند النفخة وذلك أنه ترجف الأرض والجبال ثم تنفصل الجبال عن الأرض وتسير في الجو ثم تسقط فتصير كثيبا مهيلا ثم هباء منبثا ويرشد الى أن هذه الصيرورة مما لايترتب على الرجفة ولا تعقبها بلا مهلة العطف بالواو دون الفاء في قوله تعالى : يوم ترجف الأرض والجبال وكان الجبال كثيبا مهيلا والتعبير بالماضي في قوله تعالى : وترى الأرض بارزة وحشرناهم لتحقق الوقوع كما مر آنفا واليوم في قوله تعالى : ويسألونك عن الجبال الآية وقوله تعالى : يوم تبدل الأرض الخ يجوز أن يجعل اسما للحين الواسع الذي يقع فيه ما يكون عند النفخة الاولى من النسف والتبديل وما يكون عند النفخة الثانية من اتباع الداعي والبروز لله تعالى الواحد القهار وقد حمل اليوم على ما يسع ما يكون عند النفختين في قوله تعالى : فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الارض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة يومئذ تعرضون وهذا كما تقول جئته عام كذا وإنما مجيئك في وقت من أوقاته وقد ذهب غير واحد إلى أن تبديل الأرض كالبروز بعد النفخة الثانية لما في صحيح مسلم عن عائشة قلت يا رسول الله أرأيت قول الله تعالى يوم تبدل الارض غير الارض فأين يكون الناس قال : على الصراط وجاء في غير خبر ما يدل على انه قبل النفخة الاولى وجمع صاحب الافصاح بين الاخبار بان التبديل يقع مرتين مرة قبل النفخة الاولى وأخرى بعد النفخة الثانية وحكي في البحر أن أول الصفات ارتجاجها ثم صيرورتها كالعهن المنفوش ثم كالهباء بأن تتقطع بعد أن كانت كالعهن ثم نسفها بارسال الرياح عليها ثم تطييرها بالريح في الجو كأنها غبار ثم كونها سرابا وهذا كله على يقتضيه كلام السفاريني قبل النفخة الثانية ومن تتبع الأخبار وجدها ظأهرة في ذلك والآية هنا تحمتل كون الرؤية المذكورة فيها قبل النفخة الثانية وكونها قبلها فتأمل صنع الله الظاهر أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة وهي جملة الحال والعامل فيه مادلت عليه من كون ذلك من صنعه تعالى فكأنه قيل : صنع الله تعالى ذلك صنعا وهذا نحو له على ألف عرفا ويسمى في اصطلاحهم المؤكد لنفسه وإلى هذا ذهب الزجاج وأبو البقاء
وقال بعض المحققين : مؤكد لمضمون ما قبله على أنه عبارة عما ذكر من النفخ في الصور وما ترتب عليه جميعا قصد به التنبيه على عظم شأن تلك الافاعيل وتهويل أمرها والايذان بأنها ليست بطريق اخلال نظام العالم وافساد أحوال الكائنات بالكلية من غير أن يكون فيه حكمة بل هي من قبيل بدائع صنع الله تعالى المبنية على أساس الحكمة المستتبعة للغايات الجميلة التي لأجلها تبت مقدمات الخلق ومبادي الابداع على الوجه المتين والنهج الرصين كما يعرب عنه قوله تعالى : الذي أتقن كل شيء أي أتقن خلقه وسواه على تقتضيه الحكمة اه وحسنه ظاهر وقال الزمخشري هو من المصادر المؤكدة إلا أن مؤكده محذوف وهو الناصب ليوم ينفخ والمعنى ويوم ينفخ في الصور فكان كيت وكيت أثاب الله تعالى المحسنين وعاقب المجرمين ثم قال سبحانه : صنع الله يريد

الصفحة 35